«حياة كريمة» .. مبادرة أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى لدعم ورعاية المواطنين الأكثر احتياجا فى مصر، وتوفير مصادر دخل توفر لهم سبل الحياة، وشملت المبادرة رسالة قوية من الرئيس فى شراكة فعالة بين قطاعات الدولة الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى، تهدف إلى توحيد الجهود لتمكين المواطن اقتصادياً، وتوفير فرص عمل تضمن له التغلب على أعباء الحياة، خاصة الفئات المهمشة.
وفى أثناء قيام أجهزة الدولة بعمل دراسات وجلسات حوار مجتمعية لتنفيذ أهداف المبادرة، ظهرت العديد من الاستجابات السريعة، بعضها من إحدى منظمات المجتمع المدنى الوطنية التى دشنت على الفور وحدة تحت مسمى «إحياء وتنمية التراث والحرف اليدوية»، استهدفت الأشخاص ذوى الإعاقة، ونفذت الوحدة دورة تدريبية مجانية لهم لتعليمهم بعض الحرف اليدوية من صناعة الجلود وفن الديكوباج الذى يعد أحد روافد الحرف اليدوية المبتكرة فى الآونة الأخيرة..وبالتزامن مع انتهاء الدورة وقبل بدء عرض نتاج أعمال المتدربين من حرف يدوية بارعة، أعلنت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، أن عام 2019 (بالنسبة لوزارتها) هو عام الحرف اليدوية والتراث المصري، لتلتقى للمرة الثانية أهداف وحدة إحياء وتنمية التراث والحرف اليدوية مع سياسات الدولة وإستراتيجيتها فى العمل خلال العام الحالي.
«تحقيقات التقت عددا من القائمين على عمل الوحدة وبعض الفئات المستهدفة من الدورة التدريبية التى جاءت بالتنسيق بين مؤسسة المجتمع المدنى والاتحاد النوعى لجمعيات الصم وضعاف السمع فى مصر، وأيضاً بعض نشطاء مجال الإعاقة، وشملت نحو 39 متدربا من مختلف الإعاقات (السمعية والحركية والذهنية)، تلقوا تدريبات على مدى ثلاثة أيام على حرف صناعة الجلود اليدوية وفن الديكوباج الذى تضمن صناعة وحدات الزينة والديكور.
صفاء جودة، رئيسة الاتحاد النوعى لجمعيات الصم وضعاف السمع، قالت إن التدريب على الحرف اليدوية جاء مناسبا لأصحاب الإعاقات السمعية وذلك لإمكانية تنفيذه على أرض الواقع، خاصة أن فن الديكوباج لا يحتاج إلى مصروفات مالية كبيرة لتأسيس مشروع إنتاجي، حيث يمكن للصم وضعاف السمع استخدامه كوسيلة لكسب الدخل، مؤكدة أن دور الاتحاد هو البحث – بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدنى – عن روافد جديدة لتعليم ذوى الإعاقة السمعية المجالات التعليمية وتدريبهم على المجالات الحرفية المختلفة، ومحو أمية الصم وتمكين شباب الإعاقة السمعية من مجالات دراستهم ومساعدتهم عليها، وأيضاً تدريب كبار السن والشباب على الحرف اليدوية والصناعات الجديدة التى تؤهلهم لسوق العمل..ودور الاتحاد لا يقتصر على التعاون للتعليم فقط، بل يساعد الجمعيات والمؤسسات الأهلية على الوصول إلى الفتاة المنتجة من الصم لتسويق أعمالهم، وتحقيق النفع المادى والاستفادة بما يضمن استمرارهم فى العمل والانتاج بدلاً من انحرافهم عن المسار الذى يتمناه الاتحاد النوعى لمستقبل الصم فى مصر.
تدريب الإعاقة السمعية
من جانبها، أكدت نانسى رجاء مديرة وحدة إحياء وتنمية التراث والحرف اليدوية أنه فور إعلان رئيس الجمهورية مبادرة حياة كريمة، قررت الوحدة تنفيذ أول أنشطتها وهو دورة تدريبية مجانية للأشخاص ذوى الإعاقة لتدريبهم على حرفتين يدويتين هما صناعة الجلود وفن الديكوباج، وقد تحملت المؤسسة المدشنة للوحدة تكاليف أدوات وخامات التدريب، وتم التنسيق مع قاعة «الباب للفن التشكيلى» بدار الاوبرا المصرية على استضافة الدورة وعرض مخرجات أعمالها من قطع فنية ومصنوعات جلدية..ومنهج التدريب تضمن وجود مترجمين للغة الإشارة، للتواصل مع ذوى الإعاقة السمعية الذين بلغ عددهم نحو 26 متدربا، تم تقسيمهم إلى مجموعتين، بالإضافة إلى تدريب 4 شباب من ذوى الإعاقة الذهنية جاءوا بصحبة أهاليهم، وتم وضع التواصل معهم بطريقة متخصصة فى الاعتبار حتى نستطيع دمجهم بشكل جيد فى عملية التدريب بما يضمن إخراج طاقتهم الإبداعية والإنتاجية بأقل مساعدة ممكنة.
فى السياق نفسه، أوضحت مروة مسعود، مدربة الديكوباج، أن تدريب ذوى الإعاقة السمعية جاء فى أولى مراحله وكأنه أمر غاية فى الصعوبة، خاصة أن التواصل معهم كان يتحقق من خلال مترجمين للغة الإشارة، الأمر الذى يصعب معه وصول الفكرة والاحساس بها، ولكن بعد مرور أقل من 10 دقائق على أقصى تقدير، ساعد إقبال المتدربين من ذوى الإعاقة وحماسهم على فهم ما يتم تدريبهم عليه دون أى صعوبات، حتى أن المرحلة الأخيرة من التدريب جاءت وكأنها مخاطبة بلغة العين دون استخدام الألفاظ أو الإشارات الخاصة بذوى الإعاقة السمعية..ووصفت قدرات الصم وضعاف السمع بأنها خارقة وغير متوقعة على الإطلاق، فما قدموه من منتجات أكدت احساسا عميقا كامنا بهم، ظهر فقط فى مخرجات أعمال فائقة الجمال والدقة.
قدرات فائقة
وتحدثت جيهان محيي، مدربة صناعة الجلود عن مهارة ذوى الإعاقة الحركية فى سرعة فهم التدريب الخاص بتصنيع المنتجات الجلدية، حيث تمكن 9من المتدربين خلال 8 ساعات تدريب فقط جاءت على ثلاثة أيام من إنتاج 12 محفظة وبورتوفيه وشنطة جلدية صناعة يدوية، بما يؤكد قدرتهم الإنتاجية الفائقة، والخسارة الناجمة عن إهمال هذه الطاقات طوال الفترات الماضية..و صناعة الجلود تحتاج إلى تركيز شديد فى كيفية تحويل قطعة من الجلد الطبيعى إلى منتجات مختلفة الأحجام، مشددة على أن دورة تدريب تصنيع المشغولات الجلدية اليدوية تستغرق نحو 20 ساعة على أقل تقدير ورغم ذلك نجحت مجموعة المتدربين المبتدئين فى الخروج بعدد من الأعمال الانتاجية الفائقة الجودة.
على النهج نفسه، أوضحت مها شتا مدربة صناعة الجلود أن بعض النماذج المتفوقة كانت الدافع وراء نجاح جلسات عمل التدريب بشكل كبير، ومن بين تلك النماذج «عبد الله» وهو صبى من ذوى الإعاقة الحركية لا يتجاوز عمره 12 سنة، كان حريصا على تلقى التدريب وهو يستخدم الكرسى المتحرك الخاص به، وبسبب اصراره على التعلم، نال أكبر اهتمام من المدربين وكان صاحب أعلى إنتاج رغم صغر سنه..وهناك دور لأسر ذوى الإعاقة فى تغيير حياتهم ودمجهم بشكل جيد فى المجتمع، فجميع المشاركين من الشباب الصغير السن أتوا إلى التدريب بمساعدة أمهاتهم، اللاتى شاركنهم جلسات التدريب فى بعض الأوقات لتشجيعهم وكسر حاجز الرهبة الذى سيطر على بعضهم فى الفترات الأولى للتدريب، حتى نالوا الاهتمام الواجب لهم وتفاعلوا مع باقى زملائهم وحققوا نجاحات كبيرة على مستوى التنفيذ والإنتاج، الأمر الذى يؤكد أهمية نشر المفهوم الذى تسعى له الدولة حاليا فى دمج ذوى الاعاقة فى المجالات المختلفة التى يعد أهمها هو التعليم بمختلف أنواعه سواء التعليم الأكاديمى او التعليم الحرفي.
نماذج من المتدربات
من بين المتدربات التقينا إيمان صالح من ذوات الاعاقة السمعية بمساعدة مترجمة الاشارة نهى اسماعيل، ورداً على سؤال حول كيفية اشتراكها فى دورة تدريبية، قالت إن رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات الصم وضعاف السمع دعتها وزميلاتها الى الاشتراك فى دورة تدريبية لتعليم حرفة يدوية جديدة لم يتعلمها الصم من قبل، خاصة أن جميع التدريبات التى كن يحصلن عليها تقتصر على التدريب على الحياكة وصناعة الإكسسوارات، وعندما اشتركت فى اليوم الاول فوجئت وباقى المتدربات من سيدات الصم أن حرفة الديكوباج وصناعة اطباق الزينة ومعلقات الديكور لها مذاق خاص فهو مبهج بألوانه وبساطة تنفيذه التى تعلمناها من المدربات المحترفات.
إيمان عبد الغفار من السيدات ذوات الإعاقة السمعية أكدت عن طريق مترجم الاشارة محمد ياسر ان لها ميولا فنية عديدة كانت تستخدمها فى اعمال التطريز كأحد هواياتها ولكن مشاركتها فى دورة الحرف اليدوية مثلت لها رافدا جديدا من الإبداع خاصة وأنها حرصت على صناعة تابلوه خشبى مرسوما عليه بعض الآيات القرآنية واختيار ألوان وفق رؤيتها أثنى عليه جميع المشاركين وقررت أنها سوف تهدى منتجها الأول إلى إدارة الوحدة تشجيعا منها لفكرة تدريب الصم وضعاف السمع وتشغيلهم بمجال الحرف اليدوية التى تمكنهم من انجاز الاعمال داخل منازلهم وتسويقها من خلال الوحدة ومؤسسة المجتمع المدنى التابعة لها بعيدا عن اية مضايقات كانوا يتعرضون لها عند دخولهم سوق العمل والبيع والشراء.
تميز الإعاقة الذهنية
على جانب آخر، كان من بين النماذج المشاركة شابان يعدان من النماذج المبهرة والمشرفة وهما يوسف محمد 20 سنة وباهر ماهر 19 سنة وهما من ابطال الرياضة للإعاقات الذهنية وكلاهما حاصل على العديد من شهادات التقدير وميداليات المراكز الأولى فى بطولات الجمهورية لألعاب القوى والجرى وكرة اليد، ورغم تفوقهما رياضيا فإنهما حرصا على المشاركة فى دورة تدريبية لتعلم مجالات الحرف اليدوية.
وتقول والدة باهر انها شاهدت إعلان الدورة التدريبية على صفحة الوحدة الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعى وفور ملاحظتها ان المستهدفين من الدورة هم شباب وفتيات الاعاقات الذهنية تواصلت مع مسئولى الوحدة الالكترونية واشتركت لنجلها وصديقه يوسف، مشيرة إلى انه فى الدقائق الاولى لليوم الاول انتابها شعور بالقلق من كون نجلها مضطربا وغير متفاعل مع باقى المتدربين، خاصة ان التدريب كان يشمل الكل دون تمييز او تفرقة بين اعاقاتهم، الا ان اسلوب التدريب وتفهم المدربين والإشراف عليهم طمأنها، وفوجئت بأن نجلها قد بدأ ينخرط فى عملية التعلم واستخدام الالوان والادوات كباقى المتدربين وساعده فى ذلك المعاملة الحسنة التى لاقاها حتى إنه بدأ يختار صورا وألوانا معينة وتركه المدربون يستخدمها دون أدنى مساعدة حتى يعبر عما بداخله ويثبت ذاته، وكانت هذه هى أحد أهداف مراحل التدريب، وأضافت ان المدربة توجهت اليه وبدأت فى تحسين منتجه بمشاركته حتى انه خرج من اليوم الاول وهو على يقين انه فعلها وحده دون مساعدة، الأمر الذى أثلج صدرها وشعرت معه بأن مفهوم التمكين قد تحقق لابنها حتى انه طالبها بضرورة مشاركته فى باقى ايام التدريب وحضور معرض منتجه ومنتجات باقى المتدربين.
لم تنته جهود تعليم ودمج ذوى الاعاقة عند مفهوم التدريب فقط، بل امتد لعرض أعمالهم بطريقة فائقة الجمال وفى أهم الاماكن الفنية فى مصر، حيث تقول دينا حسن المديرة التنفيذية للمؤسسة المدشنة لوحدة إحياء وتنمية التراث والحرف اليدوية، إنه تم عمل معرض بقاعة الباب بدار الأوبرا المصرية لعرض مخرجات عمل الدورة التدريبية التى بلغت نحو 96 قطعة فنية وجلدية مختلفة، بهدف تشجيع المتدربين على دعوة ذويهم وزملائهم لعرض أعمالهم الحرفية وتشجيعهم على الاستمرار فى العمل بها، الامر الذى اثر ايجابياً وبشكل كبير على تحفيزهم عندما توافد عليهم الصحفيون والإعلاميون ورواد دار الأوبرا وشاهدوا بأنفسهم انبهار زوار المعرض بأعمالهم ورغبتهم فى شرائها، وكان هذا من بين الاهداف الإستراتيجية لعمل الوحدة، فليس المهم فقط هو التدريب على المهارة اليدوية، بل تغيير الثقافة ودفعهم الى الاندماج فى المجتمع بطريقة لائقة تحقق لهم الحياة الكريمة التى تسعى إليها مبادرة رئيس الجمهورية، حتى تقرر أن تكون هى عنوان المعرض الفنى لمنتتجات حرف ذوى الاعاقة من الدورة التدريبية الاولى لهم، ودعت دينا حسن مؤسسات الدولة الحكومية إلى التعاون مع وحدة إحياء وتنمية التراث والحرف اليدوية لمساعدة المواطنين الأكثر احتياجا من ذوى الاعاقة والفئات المهمشة والمواطنين من راغبى العيش بحياة كريمة.