قال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية: “إن القضية السكانية من القضايا المهمة لكونها تمس الأمن الفكرى والأمن القومي، وتتطلب علاجًا حاسمًا لتفادى الأزمات الاقتصادية المترتبة عليها، ولارتباطها ببعض الأفكار المغلوطة التى ترى أن تقنينها وحلها يتعارض مع المشيئة الإلهيَّة“.
جاء ذلك فى الحوار اليومى الرمضانى فى برنامج “مع المفتى” المُذاع على “قناة الناس” الذى يقدِّمه الإعلامى شريف فؤاد، مضيفًا أن هناك اتساقًا بين جميع النصوص الشرعية التى تدعو إلى رخاء الإنسان وتحقيق استقراره، ولا تتعارض مع التوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، كما استنبط الإمام الشافعى ذلك من قوله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء: 3].
وأضاف فضيلة المفتى أن تنظيم النسل بسبب الخوف من حصول المشقة والحرج بكثرة الأولاد والتكاليف ليس منهيًّا عنه شرعًا؛ لأنه من باب النظر فى العواقب والأخذ بالأسباب.
ولفت فضيلته النظرَ إلى أن تنظيم النسل جائز شرعًا، وأن الْتِماس الزوجين لوسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق لأنهم لم يتكونوا بعد.
وأضاف المفتى أن دار الإفتاء المصرية استقرت فى فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، وهذه المنظومة التى نسير عليها متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس للفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة.
وأوضح فضيلته أن إضاعة المرء لمن يعول ليس فقط بعدم الإنفاق المادي، بل يكون أيضًا بالإهمال فى التربية الخُلقية والدينية والاجتماعية، فالواجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم دينيًّا، وجسميًّا، وعلميًّا، وخُلُقيًّا، ويوفروا لهم ما هم فى حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية.
ونبَّه فضيلة المفتى على خطورة الاعتقاد بضرورة التكاثر من غير قوة، مشيرًا إلى أن ذلك داخل فى الكثرة غير المطلوبة التى هى كغثاء السيل، كما جاء فى النصوص الشرعية؛ ولذا يجب فهمها فى إطار متكامل وشامل.
وردًّا على من يدَّعى أن الناس اعتادوا على كثرة التناسل فى الماضي، قال فضيلته: إن الوضع المعاصر تغيَّر لأن الدولة أصبحت مسئولة عن توفير العديد من المهام والخدمات، ولو تُرك الأمر هكذا لأصبحت الدول فى حرج شديد؛ ولذا فتنظيم النسل الآن لا يتعارض مع روح الشريعة التى تؤيد تغيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان تحقيقًا لمقاصد الشريعة.
وأشار مفتى الجمهورية إلى أن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على «العزل» الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة إلى أن تتهيأ لهم الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى فى ظروف ملائمة لإخراج الذرية الطيبة التى تقر بها عين الأبوين، ويتقدم بها المجتمع، وتفخر بها أمة الإسلام.
واختتم فضيلته حواره مؤكدًا على أن دار الإفتاء المصرية ترى أنه يَحرُمُ الإجهاضُ مطلقًا؛ بعد نفخ الروح فى الجنين، إلَّا لضرورةٍ شرعية؛ بأن يقرر الطبيبُ المتخصص أن بقاء الجنين فى بطن أمه فيه خطرٌ على حياتها، فحينئذٍ يجوز إسقاطه؛ مراعاةً لحياة الأم وصحتها المستقرة، وتغليبًا لها على حياة الجنين غير المستقرة.