يحيي العالم يوم السمع العالمي ” الذي يوافق الثالث من شهر مارس كل عام ، ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار”اسمعوا صوت المستقبل”، حيث يهدف إلي الانتباه إلى الزيادة المتوقعة في عدد الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع في جميع أنحاء العالم في العقود المقبلة .
وتركز الاستراتيجيات الوقائية لدول العالم في هذا المجال علي وقف زيادة هذه الأعداد واتخاذ الخطوات لضمان الوصول إلى خدمات إعادة التأهيل اللازمة وأدوات الاتصال والمنتجات للأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع.
وفقدان السمع هو الإعاقة الحسية الأكثر انتشارا، ويعد مشكلة آخذة في التزايد على المستوى العالمي. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 1.1 مليار من الشباب في العالم قد يكونون معرضين لخطر فقدان السمع بسبب ممارسات الاستماع غير المأمونة ، أي أن 5.3 % من سكان العالم يعانون من فقدان السمع، وتتأثر بذلك مختلف الفئات العمرية.
ويأتى يوم 3 مارس من كل عام كيوم عالمي للسمع وهو ذاك اليوم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية منذ عام 2007، وتقام خلاله بعض الفعاليات حول العالم تهدف إلي التوعية وتوجيه الاهتمام اللازم إلي مخاطر فقدان السمع التى تنشأ من استعمال الهواتف الذكية والأجهزة السمعية المختلفة بشكل غير آمن.
ويعرف فقدان السمع والصمم ، بعدم تمكن شخص ما من أن يسمع بنفس جودة شخص متمتع بسمع عادي (عتبة السمع 25 ديسيبل أو أفضل في كلتا الإذنين) وبأنه يعاني من فقدان السمع. وقد يكون فقدان السمع خفيفاً أو متوسطاً أو شديداً أو عميقاً. ويمكن أن يؤثر في إذن واحدة أو في كلتا الأذنين، وأن يؤدي إلى صعوبة سماع الحديث الحواري أو الأصوات الصاخبة.
ويشير مصطلح “ثقل السمع” إلى الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع المتراوح بين الخفيف والشديد. ويتواصل هؤلاء الأشخاص عادة من خلال لغة الحديث ويُمكنهم الاستفادة من المعينات السمعية والعرض النصي لما يُسرد وأجهزة المساعدة على الاستماع. ويُمكن للأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع الأشد من ذلك أن يستفيدوا من زرع القوقعة. وأما “الصم” فهم غالباً أشخاص يعانون من فقدان السمع العميق، وهو ما يعني قدرة قليلة جداً على السمع أو لا سمع على الإطلاق. وهم يستخدمون في كثير من الأحيان لغة الإشارة للتواصل.
ويمكن تقسيم أسباب فقدان السمع والصمم إلى أسباب خلقية وأسباب مكتسبة :
1- الأسباب الخلقية : وتؤدي إلى فقدان السمع منذ الولادة أو حدوثه بعد الولادة بزمن قصير. ويمكن لفقدان السمع أن ينجم عن عوامل جينية وراثية وغير وراثية أو عن مضاعفات معيّنة خلال الحمل والولادة، بما في ذلك ، مرض الأم بالحصبة الألمانية أو الزهري أو عدوى أخرى معينة خلال الحمل؛ انخفاض الوزن عند الميلاد؛ الاختناق الولادي (نقص الأكسجين عند الميلاد)؛ الاستخدام غير السليم للأدوية السامة للأذن (مثل الأمينوغليكوزيدات والأدوية السامة للخلايا والأدوية المضادة للملاريا والأدوية المدرة للبول) خلال الحمل؛ اليرقان الوخيم ( الضمور الأَصفر الحاد في الكَبد) الذي يصيب الأطفال الحديثي الولادة حيث يمكن أن يلحق الضرر بعصب السمع لديهم.
2- الأسباب المكتسبة : وتؤدي الأسباب المكتسبة إلى فقدان السمع في أي سن مثل، الأمراض المعدية مثل التهاب السحايا والحصبة والنكاف؛ التهاب الأذن المزمن؛ تجمع السوائل في الأذن (التهاب الأذن الوسطى)؛ استخدام بعض الأدوية مثل الأدوية المستخدمة لعلاج حالات العدوى الوليدية والملاريا والسل المقاوم للأدوية والسرطانات؛ إصابة الرأس أو الأذن؛ التعرض لأصوات صاخبة في السياقات الترفيهية مثل الأصوات المنبثقة عن استخدام أجهزة سمعية شخصية عالية الصوت لفترات مطولة وارتياد الحفلات الموسيقية والنوادي الليلة والحانات والمشاركة في الأنشطة الرياضية بانتظام؛ الشيخوخة، ولا سيما تلك الناجمة عن تنكس الخلايا الحسية؛ الشمع أو الأجسام الغريبة التي تسد قناة الأذن. وبالنسبة للأطفال، يمثل التهاب الأذن الوسطى المزمن السبب الرئيسي لفقدان السمع.
ويؤثر فقدان السمع في قدرة الشخص على التواصل مع الآخرين. وكثيراً ما يؤدي صمم الأطفال إلى تأخر قدرتهم على الحديث. ويمكن لفقدان السمع وأمراض الأذن، مثل التهاب الأذن المزمن، أن تسبب ضرراً كبيراً لأداء الأطفال الأكاديمي. وغالباً ما تزداد معدلات رسوب الأطفال وحاجتهم إلى المساعدة التعليمية. ومن المهم إتاحة مرافق ملائمة لضمان التعليم الأمثل إلا أن هذه المرافق ليست متاحة على الدوام.
أما من ناحية الأثر الاجتماعي والانفعالي ، فيمكن أن يكون لمحدودية القدرة على الوصول إلى الخدمات والاستبعاد من التواصل تأثير كبير على الحياة اليومية، حيث يثيران شعوراً بالوحدة والعزلة والإحباط، لا سيما بين كبار السن ممن يعانون من فقدان السمع. ومن ناحية الأثر الاقتصادي ، ينجم عن حالات فقدان السمع غير المعالجة تكاليف عالمية سنوية قدرها 750 مليار دولار دولي حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية ، وتشمل تكاليف قطاع الصحة باستثناء تكاليف الأجهزة السمعية، وتكاليف دعم التعليم والخسائر في الإنتاجية والتكاليف المجتمعية.
وفي البلدان النامية، نادراً ما يتلقى الأطفال المصابون بفقدان السمع والصمم أي تعليم مدرسي على الإطلاق. ويعاني البالغون المصابون بفقدان السمع أيضاً من معدلات بطالة أعلى كثيراً من غيرهم. وبالنسبة لمن يجدون عملاً، توجد نسبة مئوية أكبر من الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع في الرتب الوظيفية الأدنى مقارنة بالقوى العاملة عموماً.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلي أن 60 % من حالات فقدان السمع لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة ترجع إلى أسباب يمكن الوقاية منها. وتكون هذه النسبة أعلى في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط (75 %) مقارنة بالنسبة المسجلة في البلدان المرتفعة الدخل ( 49%) .
وتشمل أسباب فقدان السمع التي يمكن الوقاية منها لدى الأطفال عموماً ما يلي: أمراض مثل النكاف والحصبة والحصبة الألمانية والتهاب السحايا والعدوى بالفيروس المضخم للخلايا والتهاب الأذن الوسطى المزمن (31 %) ؛ مضاعفات أثناء الولادة مثل الاختناق الولادي ونقص الوزن عند الميلاد والابتسار واليرقان (17 %)؛ استخدام أدوية سامة للأذن لدى الحوامل والمواليد (4%)؛ أسباب أخرى (8 % ).
ويعاني أكثر من 43 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 12 و 35 عاماً من فقدان السمع المسبب للعجز والناجم عن أسباب مختلفة ، وما يقرب من 32 مليونا منهم من الأطفال، أي أن حوالي 25 % من حالات ضعف السمع تبدأ في مرحلة الطفولة . وتساهم الشيخوخة في زيادة حالات فقدان السمع، أي إن 1 من كل 3 أشخاص فوق عمر الـ 65 سنة يتعايش مع نوع من أنواع ضعف السمع. ويتعايش حوالي 80 % من جميع الناس مع الصمم وضعف السمع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويعيش ما يقرب من 40 مليون شخص ممن يعانون من عجز فقدان السمع في إقليم شرق المتوسط.
وتشير بيانات دراسات البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع والتي تم تحليلها من قبل منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من 50 % من المراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12- 35 عاما يتعرضون لمستويات غير آمنة من الصوت من خلال استخدام الأجهزة السمعية الشخصية، ونحو 40 % منهم يتعرضون لمستويات صوت قد تكون ضارة في أماكن الترفيه.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن الاستماع الآمن يعتمد على كثافة الصوت، ومدة وتواتر الاستماع. وتوصي المنظمة بالحفاظ على مستوى 85 ديسيبل لمدة أقصاها 8 ساعات في اليوم الواحد. وغالبا ما يتعرض العديد من المترددين على النوادي الليلية والحانات والأحداث الرياضية إلى مستويات أعلى من الصوت، وبالتالي ينبغي أن يقللوا إلى حد كبير من فترة التعرض. فعلى سبيل المثال، التعرض لمستويات من الضوضاء تصل إلى 100 ديسيبل، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الأماكن، لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة.
ويمكن تشخيص فقدان السمع في وقت مبكر من خلال فحص حديثي الولادة والأطفال في سن الدراسة وفحص البالغين الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة ومن ثم تقديم وسائل تقويم السمع بالإضافة إلى خدمات إعادة التأهيل. ولا بد من تشخيص فقدان السمع في وقت مبكر من خلال تشخيص وعلاج من يعانون من التهاب الأذن الوسطى وكذلك يجب توفير الحماية من الأصوات العالية سواء كان في العمل أو في البيت وخاصة أن الشباب في الوقت الحاضر قد يستمعون إلى الموسيقى الصاخبة والعالية لفترات طويلة وبوضع السماعات فلا بد من توعيتهم بضرورة تقليل فترة الاستماع إلى الأصوات العالية وذلك بإعطاء آذانهم راحة على الأقل كل ساعة حتى يستعيد الجهاز السمعي توازنه، بالإضافة إلى وضع نوع من السماعات الذي يقوم بمنع وصول الضوضاء الخارجية للأذن مما يساعد على الاستماع للصوت في أقل مستوى ممكن بدون إعاقته من الضوضاء المحيطة.
وتشير الدراسات الطبية إلي أن الأصوات العالية والضوضاء قد تسبب التلف للشعيرات الدموية الدقيقة في الأذن نتيجة تعرضها للموجات الاهتزازية مما يؤدي إلى قلة قدرة السمع وفقدانه تدريجيا حتى يصل إلى الفقدان الكامل مع الوقت، لذلك فإن الصحة المهنية في محيط العمل تعنى بهذا الأمر وتستطيع تحديد المستويات المسموحة من الضوضاء للعاملين في أماكن تعرضهم للأصوات العالية.
ونظرا لتكاليف فقدان السمع فيجب على الدولة أن تخصص موارد مناسبة لتشخيص وعلاج فقدان السمع ودمج رعاية الأذن والسمع في النظم الصحية وتنفيذ برامج معنية بالتشخيص المبكر والعلاج وزيادة الوعي بين قطاعات المجتمع. ويمكن أن تستفيد نسبة مئوية كبيرة من الأشخاص المتعايشين مع فقدان السمع من الكشف والتدخل المبكرين، ومن العلاج المناسب.
وتؤكد الأبحاث أن الكشف والتدخل المبكران هما أهم عامل فيما يتعلق بالتقليل إلى أدنى حد من أثر فقدان السمع على نمو الطفل وانجازاته التعليمية. وبالنسبة للرضع وصغار الأطفال من المصابين بفقدان السمع، يمكن أن يؤدي الكشف والعلاج المبكران من خلال برامج فحص سمع الرضع إلى تحسين الحصائل اللغوية والتعليمية للطفل. وينبغي أن تُتاح للأطفال المصابين بالصمم فرصة تعلم لغة الإشارة جنباً إلى جنب مع أسرهم. ويمكن للفحص قبل المدرسي والمدرسي والمهني لتحري أمراض الأذن وفقدان السمع أن يكون فعالا أيضاً في الكشف المبكر عن فقدان السمع وعلاجه.
ويمكن للأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع أن يستفيدوا من استخدام أجهزة المساعدة على السمع، مثل المعينات السمعية وأجهزة الاستماع المساعدة وزرع القوقعة. وقد يستفيدون أيضاً من المعالجة المقومة للنطق والتأهيل الأذني وسائر الخدمات ذات الصلة. بالرغم من ذلك فإن الإنتاج العالمي لمعينات السمع يلبي فقط أقل من 10% من الاحتياجات العالمية، وأقل من 3% من احتياجات البلدان النامية. ويشكل الافتقار إلى خدمات مواءمة المعينات السمعية وصيانتها ونقص البطاريات أيضاً عقبات في العديد من السياقات المنخفضة الدخل. وسوف يستفيد العديد من الأشخاص المصابين بفقدان السمع من وجود معينات سمعية حسنة المواءمة وقليلة الثمن مع توفير خدمات متاحة للمتابعة في جميع أنحاء العالم.
كما يمكن للأشخاص الذين يصابون بفقدان السمع أن يتعلموا كيفية التواصل من خلال اكتساب مهارات قراءة الشفاة واستخدام النصوص المكتوبة أو المطبوعة ولغة الإشارة. وسوف يفيد التعليم باستخدام لغة الإشارة الأطفال المصابين بفقدان السمع، في حين ييسر العرض النصي لما يسرد والترجمة بلغة الإشارة حصول مشاهدي التلفزيون على المعلومات.
والاعتراف الرسمي بلغات الإشارة الوطنية وزيادة توافر مترجمي لغة الإشارة هما إجراءان مهمان لتحسين الوصول إلى خدمات لغة الإشارة.
ولضمان تحسين عملية إدماج الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع ، يجب دعم وتشجيع المنظمات المهتمة بهذه الفئة ، وكذا مساعدة الآباء وجماعات دعم الأسر ، بالإضافة إلي تدعيم التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان في هذا المجال.