عمان- الشجاعة هي ما يميز حلا عمايرة التي أيقنت أن التغيير يبدأ من الذات، وأن الإعاقة لم ولن تكون حجر عثرة في حياة الأشخاص الذين يحترفون صناعة الأمل والإرادة سبيلهم. حلا، امرأة من ذوي الإعاقة، قررت، بوعيها، أن تحمل عبء التغيير وتبدأ من نفسها. بدأت قصتها مع الإعاقة منذ الولادة، ومن عمق التحدي استطاعت أن تكسر الجليد وتدخل المجتمع بخطى ثابتة، عارفة بما تريد.
إيمانها بحقوقها وأحلامها التي لا تقبل التنازل عنها هو ما جعلها قادرة على تحديد خياراتها كمسؤولة عن توعية المجتمع من خلال تجربتها الخاصة. فهي ترى أن أصحاب القضية هم الأحق بالتحدث عن أنفسهم.
حلا، وبما لديها من أمل، تسعى لصنع فارق في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تشجيعهم على التحدث ومناقشة قضاياهم بصوت عال، حيث تنظم مبادرات تثقيفية تراها ملاذاً للتوعية بكل التحديات التي يعيشها الأشخاص ذوو الإعاقة.
تقول، في حديثها لـ”الغد”، إن نقص الحديد أثناء حمل والدتها هو ما تسبب بتشوه في العمود الفقري، مما أدى إلى إصابتها بمرض الصلب المشقوق وإعاقة حركية. لم يكن صعبًا على حلا أن تتأقلم مع وضعها وتتقبله وتصبح ما هي عليه اليوم من قوة، وذلك لأنها أحبت نفسها، بالإضافة إلى الدعم الذي وجدته من عائلتها.
تدرك حلا جيدًا أن الحياة عبارة عن تحديات لا تنتهي، وأن العقبات موجودة ولا أحد معفى منها. الجميع يعاني بطريقة أو بأخرى، لكن السر يكمن في قدرتنا على رؤية الحياة من زوايا مضيئة رغم الصعوبات.
توضح أن العوائق لم تحبطها، بل على العكس، صقلت شخصيتها ومكنتها من رؤية الحياة بعين الامتنان لكل ما وصلت إليه. فكرها الواعي، وثقتها بنفسها، ورغبتها في أن تكون ملهمة بقصتها للعديد من الأشخاص الذين استسلموا وقرروا الانسحاب لأنهم تعبوا من استجداء حقوقهم طوال الوقت، كل ذلك منح حلا حصانة ضد اليأس وساعدها في الانخراط أكثر في المجتمع.
تقول حلا: “نحن من نغير واقعنا بأيدينا، ولا شيء يمكنه أن يمنعنا إذا كنا يداً واحدة. فالهزيمة، برأيها، تأتي من الداخل أولاً، لذلك لا بد من أن نؤمن بأنفسنا لنستطيع مواجهة العالم وتقديم صورة حقيقية عن الإعاقة بعيداً عن الشفقة أو حتى رؤيتهم كأشخاص خارقين. من المهم جداً أن نفهم المعادلة كما هي؛ فالحياة بالنسبة للجميع ليست وردية ولن تكون كذلك. وهذا ما يجعلنا نتأقلم مع كل الظروف ونجد لها الحلول أيضاً”.
وفقًا لحلا، فقد اختزلت تجربتها مع الإعاقة الكثير من العقبات والمتاعب على المستويات كافة. لكنها قررت أن تكون قوية ومقبلة على الحياة، تضع بصمتها في كل مكان تمر به، وتحاول جاهدة أن تضيء المناطق المعتمة بإرادتها وما لديها من فكر ومسؤولية. توضح حلا أن المبادرات التي تنظمها تهدف إلى تحقيق التغيير في شتى المجالات. من وجهة نظرها، بدأنا نلمس تقبلا للأشخاص ذوي الإعاقة، رغم النظرة النمطية التي ما تزال سائدة اجتماعيا. فهناك قصص تشهد على الخجل من الإعاقة وغياب التهيئة بمعناها الحقيقي، وحرمان البعض من التعليم والزواج والعمل وحتى الترفيه.
تهتم حلا في مبادراتها بتجميع الأشخاص ذوي الإعاقة وإتاحة الفرصة أمامهم لإثبات وجودهم وأولوية قضاياهم. كما تعمل على فتح باب الحوار لكل من يريد حياة أفضل. وتلفت إلى أن المبادرات تتشكل من الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، لنقل المعاناة كما هي، وعلى لسان أصحابها.
وتبين حلا أن المبادرات تهدف أيضا إلى توعية الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم من الاستغلال بكل أشكاله، وتعريفهم بحقوقهم ليتمكنوا من تحصيلها والوصول إلى مجتمع شامل بكل المقاييس. تسعى المبادرات إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش حياة مستقرة ماديا ومعنويا، والنظر إليهم كجزء من المجتمع وليس كعبء عليه.
أما عن دراستها تخصص تغذية الإنسان والحميات في الجامعة الأردنية، فتبين حلا أن الهدف منه توعية الناس بأهمية التغذية وأنه إهمال بسيط قد يتسبب بمشكلات كبيرة، وخاصة أن مشكلتها سببها سوء التغذية فكانت الرسالة التي تريد إيصالها للمجتمع حقيقية ومن عمق التجربة مضمونها أن التغذية لها تأثير كبير على صحة الإنسان سواء كان طفلا أو أماً أو أي شخص آخر، لذا فضروري الانتباه لها ومعرفة تبعاتها الخطيرة.
ذلك دفعها لأن يكون مشروع التخرج الخاص بها بالكامل عن مرض الصلب المشقوق وكل ما يحيط به من تفاصيل.
اليوم، وبعد مرور عامين تقريبا على تخرجها، ترى حلا أن من حقها كشخصية مستقلة أن تحصل على وظيفة تناسبها، تحقق فيها طموحها، وتستطيع من خلالها أن تنفع نفسها والمجتمع.
توضح حلا أنها حاصلة على 58 دورة في مجالات متعددة، مثل لغة الإشارة والتثقيف النفسي والصحي والطاقة الإيجابية. كما تهتم بإعطاء دورات عن إتيكيت التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى دورات موجهة للأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم حول إتيكيت طلب المساعدة.
كما تنتقد حلا غياب التهيئة البيئية، وتقول إن هناك بعض الأماكن لم تسمع أصلاً بموضوع التهيئة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالمعايير والشروط في المنحدرات والمصاعد والحمامات وغيرها. ورغم ذلك، لم تعتزل الحياة أو تسجن نفسها خلف الجدران، بل تأبى إلا أن تعيش الحياة بكل ما فيها. فالتحديات لم تزدها إلا إصرارا وإرادة. بل وأكثر من ذلك، أرادت أن ترفع صوتها وتتحدث لتصلح العديد من الأخطاء، مما يسهم في جعل قضايا ذوي الإعاقة تتصدر المشهد وتكون محورا في كل القرارات.
وتؤكد حلا “نحن من نجعل الحياة سهلة، فلكل مشكلة حل، والأهم من ذلك أن نكون مرنين ونعرف كيف نتأقلم مع الضغوطات في سبيل الوصول إلى أهدافنا. السر في النجاح هو أن نخلق نحن البدائل التي تناسبنا، فهناك طرق كثيرة تؤدي إلى السعادة، لكن ينقصنا الشجاعة والصبر. ففي كل خطوة جديدة يكمن الخوف والقلق، ومع ذلك فإن الوصول يحتاج إلى المثابرة”.
هي اليوم تحرص على أن تعيش أصغر التفاصيل بحب، عازمة على تقدير كل النعم من حولها. تقول حلا: “الحياة كما نراها؛ فإن قررنا أن نتكيف مع الظروف ونحسن منها، استطعنا. وإن أردنا الهروب والعيش خلف الكواليس من دون أي هدف، كانت كذلك. نحن من نحدد كيف نعيش”.