قصة قصيرة -بقلم منال الاخرس
عاشت في برزخ من الزمن الخالي من الخوف والقلق ، فأمان الحب استضافها وعاملها كواحدة من كبار الزوار ، لدرجة أنها شعرت أن هذا الحيز مكانها .كل ركن كان على أتم الاستعداد لكل أوامرها . أراحت نفسها من عناء التفكير في القادم من عمرها ، كانت كلما فكرت في شيء تراه يتجسد أمامها حقيقة ، ما خطر في بالها وما لا يخطر في بالها . لعل هذا ما جعلها تمنح لعقلها كل الصلاحيات ، اخذ يجيز كل ما أراد ، ليفعل كل ما تعطل من قبل ، حيث سيطر قلبها واستحوذ على قدر كبير من امتيازات العقل ، لدرجة أنه كان مسخرا يطوع تلك الدقات ، قبل عثورها على هذا البرزخ وبعد أن تيقنت من حبه لها .
استراحت دفة أفكارها ومحركات توترها تعطلت ، فأجاز عقلها كل الأمور السالفة والمعطلة ؛ فقد انتهز فرصة ضياع سلطة القلب وتسلطه عليه في كل صغيرة وكبيرة . انفرد بنفسه لينجز كل ما تمنى ، فتلك فرصته وفي غمرة أمان القلب والعقل في حصن الحبيب ، تناست هي ان الحبيب من لحم ودم . لقد طغى أمانها على مكانة الحبيب .يبدو أنه سهل أن يتسلل إليه سهم من سهام سوء الظن . وقد أصاب فأخذ يفرفر شكا ويصرخ وساوسا وينزف اتهامات . وإذا بها ترجع عن طمأنينتها ويستبد بها القلق من جديد . كم كافحت لتستوعب أنها خرجت من البرزخ ولم تسفر محاولاتها في تفسير أي شيء .اكتشفت أنها تستغرق 24ساعة يوميا في البحث عن الحلقة المفقودة ولم تجدها ،فكل ما فلحت في الحصول عليه مجرد احتمالات وافتراضات وتخمينات .
انشغلت عن كل شيء ، فقد أخذتها دوامة الفراغ تلك من كل شيء ، توقف عقلها مرة أخرى ليتسلم القلب زمام الأمور ، قادها قلبها الى بوابة الوشايات واخذت تلملم ما تبعثر منها من افكارمنثورة وظنون سقيمة .
اخذت ترتب وتداوي وتعقم شرايين افكارها علها فلحت في الإصلاح . توصلت لصيغة ملائمة . تعيد لها ما سلب منها وما نزفته من حيرة وشكوك .
هكذا اختصرت ما مرت به سالفا ،ولم تتمكن من حصر ذلك الزمن البرزخي ، وكم يكون في أيامها العادية فلم تكن تعبأبتوقيتات أو مواعيد.
كان شاغلها الأكبر حينذاك انجاز اكبر قدر من الانتاج . وتفريغ أكبر شحنة من المخزون الذي يكتظ به دماغها ، فهي محملة بأعباء فكريةتثقل حركتها ولكنها عادت مرة أخرى لتكابد احداث 24 ساعة ما بين قلق على الحبيب وخوف عليه ، وربما منه وما بين ظنون وشكوك وما بين وساوس الشيطان التي تهاجمها بانتظام ، وما بين عجز تشعر به وكبرياء يمنعها من المبادرة لتصل ما قطع …
وهل اذا نجحت في استرجاع ما فقدته ستعيد الكرة مرة أخرى ؟ وتنشغل عن ذلك الحبيب ؟ هل ستأخذها أثقالها التي أرهقت محتوياتها بعيدا عن عالم البشر ؟ هل تنصرف عن كل شيء لتنأى بنفسها الى برزخ جديد ليخفف من أثقالها المتراكمة ؟ وإذا بكلمات ايبل تلاحقها لتقول لها :
“كل كائن بشري يمر بلحظة يسلم فيها الممسك بمصيره زمام أموره ليده هو .” يبدو انه حقا ما قال هذا الشاعر في أبياته فقد كان قلبها لوقت ليس بالهين يمسك بمصيرها وكانت مستسلمة . وها هي في غفلة منه قد تسلمت زمام أمورها . فلماذا لا تعتبر ذلك انتصار لذاتها ؟ وعليها ألا تعود إلى الماضي وألا تساق إليه مرة أخرى …