بقلم / علي الفاتح
لم ينتقد اتفاق السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل سوي أولئك الذين كانت القضية الفلسطينية بالنسبة لهم طوال عقود مجرد بضاعة يسوقونها ليتربحوا من ورائها بعض المال والمكاسب السياسية. لم يعارض هذا الاتفاق الشجاع إلا من غلفوا قضية العرب الأولي بشعارات دينية زائفة بهدف ترويج سلعة التطرف والارهاب، ولتكون غطاء للجرائم التي يرتكبونها صباح مساء ضد المجتمعات العربية والمسلمة. الخطوة التي اتخذتها أبوظبي وفق حسابات دقيقة ورؤية استراتيجية بعيدة المدي، جاءت مقترنة بشرط وقف ضم أراضي الضفة الغربية من جانب اسرائيل، وبالتزام إماراتي صارم بالمبادرة العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية مطلع الألفية الثالثة ” الأرض مقابل السلام” بحسب ما أعلنه وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش. المبادرة العربية التي أعلنت الإمارات التزامها بها حظيت بإجماع عربي وقتها، تماما كما أن الخطوة الإماراتية غير المسبوقة ، بعيدا عن دول الطوق ” مصر ، الأردن، سوريا ، لبنان”، قد حظيت بمباركة ودعم من الأطراف العربية المؤثرة ذات الثقل الإقليمي وفِي مقدمتها مصر . ردود الأفعال الأولية علي إعلان اتفاق السلام بين دولة الإمارات العربية وإسرائيل جاءت داعمة لشروط أبوظبي وملزمة لتل أبيب، فقد أعلن جوزيف بوريل الممثل الأعلي للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي ضرورة أن يتحول تجميد إسرائيل مشروع ضم أراضي الضفة الغربية إلي قرار دائم، حتي يمكن التوصل الي تسوية عادلة تقوم علي اساسها دولتين. روسيا هي الأخري اعتبرت هذا الشرط في اتفاق السلام عنصر اساسي بحسب بيان رسمي، والأمر ذاته جسده الموقف الفرنسي والإسباني والألماني والإيطالي وحتي الأمريكي بالطبع. غالبية أطراف المجتمع الدولي رحبت بالاتفاق ووصفته بالشجاع، وهو كذلك بالفعل، ولا يمكن اعتبار الدول العربية والإسلامية التي فضلت موقف الصمت رافضة له، وإلا لبادرت بإصدار بيانات الشجب والتنديد، لكنها ربما تكون حسابات السياسة ومعادلة اتجاهات الرأي العام الداخلي لدي شعوب تلك الدول التي دفعتها لاتخاذ الصمت موقفا. اللافت في هذا السياق أن الأطراف التي سارعت لانتقاد الخطوة الإماراتية قد تصدرتها ثلاث عواصم اتسمت مشاريعها بالرغبة المحمومة في التوسع والامتداد علي حساب مصالح الشعوب العربية والمسلمة، علاوة علي ارتباطها بما يسمي بالإسلام السياسي وما ينضوي تحت عباءته من تنظيمات وحركات ارهابية. العواصم الثلاث، طهران، والدوحة، وأنقرة، ارتبط مشروع الأولي بالمد الشيعي، أما الثانية والثالثة فقد جمعهما ما يمكن تسميته بالمد الإخواني الإرهابي ومشتملاته بدءاً من القاعدة وصولا إلي داعش. والملاحظ هنا أن علاقة وثيقة واستيراتيجية تربط العواصم الثلاث، فطهران التي تمول الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والعراق وسوريا، تنشط أيضا في التنسيق والتخطيط والتمويل لجماعات الإرهاب السني التقليدية في كافة الدول العربية، حيث لا تقتصر أطماعها علي منطقة الخليج العربي فبالأمس القريب مدت جسور الصلة مع تنظيم الاخوان في مصر مع تولي المعزول محمد مرسي الرئاسة المصرية. واليوم أعلنت إيران دعمها وتأييدها لممارسات المحتل التركي في ليبيا. ورغم ما قد يبدو أنه تناقض ظاهري بين مشروع طهران والدوحة وأنقرة في سوريا ويتجسد في محاربة حزب الله اللبناني لتنظيمات مثل النصرة واحرار الشام وما الي ذلك من تنظيمات مدعومة قطريا وتركيا، إلا أن ذلك لا يعني كونه انعكاس لصراع النفوذ بين إيران وتركيا في ذلك البلد العربي؛ فيما يختفي هذا الصراع ويتحول الي تحالف وثيق في اليمن حيث تدعم أنقرة تنظيم الاخوان الارهابي ليقف الي جانب الحوثي في مواجهة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية . ولا تتسع السطور والمجلدات لشرح دور الدوحة وأنقرة في دعم الإرهاب في كل الدول العربية بل والعمل علي تطويقها من خلال إرسال آلاف المرتزقة جنوبا في شرق افريقيا وشمالا في ليبيا إضافة الي مجموعة دول الساحل والصحراء. هذه العواصم الثلاث اجتمعت علي نشر الفوضي والإرهاب في وطننا العربي وفِي نفس الوقت رفع شعارات العداء لإسرائيل وتحرير القدي ولعل أشهرها ” بالملايين علي القدس رايحين”؛ فيما كانت هذه العواصم ذاتها أهم الأطراف التي قدمت وتقدم خدمات استيراتيجية نوعية لتل أبيب، بل ويمكن القول أنها الداعم الرئيس للمشروع الإسرائيلي الاستيطاني . وكانت التنظيمات الإرهابية أداتها لتقديم ذلك الدعم بهدف تفكيك الدولة الوطنية العربية الحديثة حتي تكون لقمة سائغة يلتهمها الإيراني والتركي، إما في إطار صفقة لاحقة أو في إطار ظهور صراع النفوذ بين المشروعين علي الكعكة العربية بعد أن تكون الأخيرة أصبحت جاهزة للهضم. إيران التي انتقدت اتفاق السلام بين الامارات وإسرائيل دعمت حزب الله ليكون خنجرا في خاصرة لبنان وبمثابة مبرر قائم ودائم لإسرائيل كي تعتدي علي هذا البلد بين الفينة والفينة، ولعلنا جميعا نذكر حرب يوليو تموز ٢٠٠٦ التي دمرت خلالها لبنان ومع ذلك خرجت ما تسمي بجبهة المقاومة مدعية النصر لمجرد أن حسن نصرالله لازال قادرا علي إطلاق الرصاص، وليخرج من هذه الحرب بأنياب إيرانية أكثر حدة في وجه المجتمع اللبناني وينفذ أدوارا في الإقليم ليورط الشعب اللبناني فيما لا علاقة له به. كذلك اجتمعت طهران والدوحة وأنقرة، عواصم الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط لتدعم حركة حماس في فلسطين لتنفصل الأخيرة بقطاع غزة كدولة تناطح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتمزق الشعب الفلسطيني وتحرمه من قيادة موحدة تدير الصراع مع المحتل الاسرائيلي. الفلسطينيون اعتبروا اتفاق الامارات مع اسرائيل خيانة للقدس والقضية الفلسطينية فيما عجزوا هم علي عقد انفاق سلام بين حركتي فتح وحماس توحد الإرادة السياسية والأجهزة الأمنية أو سلاح المقاومة كما يحبون تسميته، وعجزوا عن بناء استيراتيجية فلسطينية موحدة في مواجهة التعنت الاسرائيلي . الدوحة وأنقرة اللتان تربطهما علاقات استيراتيجية مع تل أبيب لم تسعيا إلي رأب الصدع الفلسطيني وعملتا علي تكريس الفرقة والشقاق واشعال نيران الفتنة، فكان مشروع نتنياهو لضم اراضي الضفة الغربية الخاضعة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو نتيجة طبيعية وحتمية لكل تلك الممارسات والسياسات. تأتي اتفاقية السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لتفضح زيف شعارات جناح الممانعة، ولتفتح طريقا جديدا أمام عملية السلام التي تجد في هذا الاتفاق منفذا بعد أن سدت في وجهها كل المنافذ، ويكفي هذا الاتفاق الشجاع أنه أوقف مشروع نتنياهو لضم أراضي الضفة الغربية ليحيي الأمل في إيجاد حل عادل يؤسس لقيام الدولتين. وعلي الجانب الفلسطيني اقتناص هذه الفرصة فلولاها لنتهي كل أمل في إحياء مسارات السلام والتفاوض. الفرصة الان سانحة وهذا الاتفاق إحراج اسرائيل أمام العالم، ولا ينبغي الالتفات الي تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول تعليق مشروع ضم الاراضي مؤقتا لانها تبقي تصريحات للاستهلاك المحلي لدي الجماعات اليهودية المتطرفة، فمواصلة الضغط على اسرائيل استثمارا لهذه الفرصة سيدفعها في نهاية المطاف إلي تقديم تنازلات ترضي طموحات الشعب الفلسطيني.