أخبار عاجلة

غادة بشناق: أحلام تتحدى الإعاقة وتفتح آفاقا جديدة في عالم الطبخ

عمان- المنعطفات كثيرة في حياة غادة بشناق، التي رفضت أن تأسرها إعاقتها أو تقيّد طموحها. لم تكن تعلم أن حكايتها مع الحياة تتطلب منها قوة مضاعفة لتتمكن من تحمّل كل الخسارات التي مرّت بها.

عنادها في تجاوز المحن كان كافياً ليجعل منها شخصية صلبة ومغامرة، تهزم بابتسامتها الحزن. لم تسمح لليأس أن يشق طريقه إليها، بل أصرت على الوقوف في وجه مخاوفها وإثبات أنها تستحق الحياة. قدرتها على ممارسة كل تفاصيل الحياة بحب وشغف ساعدتها على أن تكون سعيدة. لذا، هي لا تعترف بالمستحيل نهائياً، فأحلامها لا سقف لها.

احترافها للطبخ من خلال فيديوهات تشاركها عبر السوشال ميديا كان تأشيرتها إلى العالم، لتسافر بأفكارها عبر المسافات على أمل أن تصنع فرقاً في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة. تسعى غادة من خلال رسائلها إلى توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الإعاقة، بهدف رؤية الإعاقة من زاوية مختلفة بعيداً عن النمطية. من شهادة الصيدلة إلى فن الطبخ، كان هذا التحول في حياة غادة. ورغم اجتهادها وكفاءتها، لم تجد فرصتها في العمل كغيرها.
تعرضها للبتر في قدمها اليمنى غير مجرى حياتها. هذا ما توضحه غادة في حديثها لـ”الغد”، حيث تقول إنها عاشت فترة صعبة جداً توالت فيها الخسائر. بدأت بفقدانها لوالدها الذي كان سندها في الحياة، وانتهت بانسحابها من منحتها الدراسية في الكويت في تخصص الطب. فالأحزان جاءت دفعة واحدة، ولم تسمح لها بأن تتنفس أو تأخذ وقتها. ورغم أن المحن التي مرت بها كانت كبيرة، إلا أنها لم تفقد إيمانها بالله وبنفسها. ظلت غادة قوية عصية على الانكسار، حزنت لكنها لم تغرق أو تستسلم للعجز.
نجت بسبب يقينها وإيمانها بحقها في الفرح والنجاح. تفوقها الدراسي، خاصة في التوجيهي، ساعدها على دخول مجال الطب بعد حصولها على المنحة، إذ كانت من العشرة الأوائل على مستوى دولة الكويت. لكن مفاجآت الحياة كانت كثيرة وغير متوقعة. كل شيء تغير، وأصبحت مضطرة لاختيار طريق آخر لتبدأ من جديد. توضح غادة أن الآلام ليست بالضرورة أن تقتلنا، بل قد تكون سر قوتنا، ومن الطبيعي أن نمر بلحظات ضعف بشرط ألا نفقد البوصلة. عودتها إلى الأردن كانت البداية الجديدة.
وضعها الصحي أجبرها على تغيير مسارها وإبعادها عن التخصص الذي تحبه، فكان البديل أن تدرس الصيدلة. مع الوقت، تقبلت غادة الحقيقة وعرفت كيف تحول حزنها إلى فرح وخوفها إلى حلم، متخطية عقبات كثيرة ومنعطفات أثرت في أن تقوى على وجعها وتكون ذاتها بأفكارها وقناعاتها. لم تعرف غادة الاستسلام يوماً، بل رأت في الصعوبات مزيداً من التحدي، لذلك اجتازت المرحلة الجامعية بنجاح رغم العوائق.
لم تكن الإعاقة أبداً هي الحاجز بينها وبين أحلامها، بل غياب التهيئة البيئية وقلة الوعي وعدم تطبيق قانون الأشخاص ذوي الإعاقة كما يجب. كل ذلك كان يبعدها، ولو ظاهرياً، عن نقطة الوصول. حرمت غادة من أن تخضع للتدريب بناء على كفاءتها، وكانت الذريعة أن كل الصيدليات غير مهيأة. مرة أخرى، تقرر غادة البحث عن حلم جديد تبدأ من خلاله رحلتها نحو النجاح. قدمت للكثير من الشركات على أمل أن تحظى بوظيفة كول سنتر، لكن لم تجد نتيجة. ومع ذلك، لم تستسلم، فمن حقها أن تستقل مادياً ويكون لها عمل تعتمد عليه.
هي تريد أن يكون لديها هدف في الحياة تعيش من أجله وهذا ما جعلها تدعو إلى تغيير واقع الأشخاص ذوي الإعاقة للأفضل وتأمينهم بوظائف تناسبهم هذه ليست مشكلتها وحدها فهناك من يعاني بصمت دون أن يكون له حق الاعتراض. تقول “نستثنى من الوظائف بسبب إعاقتنا دون النظر إلى ما لدينا من قدرات وهذا قمة الظلم”.
ومن الصيدلة اتجهت غادة للطبخ فهو بالنسبة لها فن تستمتع بالغوص فيه واحترافه وعن السعادة التي تستمدها من الطبخ. تبين غادة أن تحضيرها للأطباق غير التقليدية بحب وإحساس يساعدها على تفريغ كل طاقتها ويمنحها الثقة بكل ما تقدمه من فيديوهات على صفحتها على الإنستغرام وتلفت إلى أن البداية كانت من خلال قناة أنشأتها على اليوتيوب وما شجعها لتستمر وتبدع أكثر هو حب الناس لها وتفاعلهم معها وخاصة المشاهير من بينهم إياد سلمان وماما شمعة وسمير حجازي والشيف امتياز الزيتاوي وعبير الصغير، دعمهم أشعرها بأن لها قيمة.
محتواها على الإنستغرام لا يقتصر على الطبخ فقط فهناك رسالة أكبر تريد توصيلها للعالم وهي أن الإعاقة ليست عائقا لأي نجاح أو حلم وأن الأشخاص ذوي الإعاقة يستحقون الفرح والحياة هم فقط يحتاجون أن يتساووا مع غيرهم.
وتتعمد غادة في فيديوهاتها إظهار كرسيها المتحرك لتوعي الناس أنها كأي شخص تستطيع أن تكون مؤثرة بقوة شخصيتها وإيجابيتها. كما تهتم غادة بدعم أطفال غزة ومبادلتهم الحب فمن صمودهم تستمد القوة والإرادة مبينة أن حرب غزة أوجدت عددا كبيرا من ذوي الإعاقة، لذلك فمهم جدا أن نزرع في العقول نظرة جديدة تحترم الإعاقة وتعطيها الأولوية لنصل إلى مجتمع ينظر للإنسان كإنسان بغض النظر عن أي اختلاف.
أما عن خططها التي تطمح لتحقيقها فتقول غادة؛ “أحلامي لا حدود لها، وكل شيء ممكن وبالصبر نستطيع أن نلمس أحلامنا واقعا”. لذا هي مؤمنة بكل ما تفعله لأنها يوما ما ستصل وسيكون باستطاعتها تأسيس مطعم خاص بها كما تحرص على الانضمام لحملات تختص بقضايا ذوي الإعاقة وحقوقهم والعمل على حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من التنمر وخاصة الأطفال لأنهم بالنسبة لها خط أحمر، وتخصيص جهات لمحاسبة كل من يتطاول على كرامتهم، لنكن السند والأمل لبعضنا.
وتشير غادة إلى ضرورة فهم واقع وتحديات ذوي الإعاقة فلا أحد يعلم مدى الصعوبات التي يمرون بها، متمنية أن تجد التفاعل والدعم لتوصل رسالتها لكل العالم.

تعليقات فيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *