قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن القصف، والحصار، والهجوم البري الكبير من جانب الحكومة الإسرائيلية على غزة يتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ذوي الإعاقة. كما أنهم يواجهون صعوبات أكبر في الفرار من الهجمات وتلبية الاحتياجات الأساسية والحصول المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها.
المخاطر الجسيمة التي يواجهها جميع المدنيين في غزة جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية تتضاعف على الأشخاص ذوي الإعاقة. فالأمر الذي أصدرته إسرائيل في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لجميع المدنيين في شمال قطاع غزة بالإخلاء إلى الجنوب لم يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لا يستطيع الكثيرون منهم المغادرة. وقد عرّضهم أمر الإخلاء لمخاطر الحرب ولم يضمن توفير سكن مناسب وظروف مقبولة لهم.
قالت أمينة تشيريموفيتش، باحثة أولى في حقوق ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش: “يزيد الهجوم البري الكبير الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة بشكل لا يوصف الصعوبات الخطيرة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الفرار، والعثور على مأوى، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعِدة التي يحتاجون إليها بشدة. على الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين الضغط على إسرائيل لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة ورفع الحصار”.
بين 18 و29 أكتوبر/تشرين الأول، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع 13 شخصا من ذوي الإعاقة في غزة، عشرة منهم قالوا إنهم نزحوا داخليا، واثنان من أفراد عائلات الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخصائي نفسي.
وصف أولئك الذين تمكنوا من الإخلاء الرعب الذي شعروا به لاضطرارهم إلى مغادرة منازلهم، والتي صممت لتتكيف مع احتياجاتهم، إضافة إلى الأجهزة المساعِدة، كالكراسي المتحركة، وأجهزة المشي، وأجهزة السمع. كما أثاروا مخاوف بشأن عدم حصولهم على الأدوية الأساسية وتأثير ذلك على صحتهم النفسية. وقد اضطروا هم ومئات الآلاف غيرهم إلى اللجوء إلى مراكز إيواء طارئة مكتظة؛ ومعظمها في المراكز الصحية والمدارس، حيث يوجد شح في المياه والغذاء ومرافق الصرف الصحي.
كما أن النقص العام في الأجهزة المساعِدة في غزة، كالكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية والعكازات وأجهزة السمع، نتيجة القيود المرتبطة بالحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 16 عاما، يؤثر أيضا على قدرة الناس على الفرار. الأشخاص ذوو الإعاقات البصرية أو السمعية أو النمائية أو الذهنية قد لا يسمعون ما يحدث أو يعرفون عنه أو يفهمونه.
قال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إن انقطاع الكهرباء والإنترنت صعّب عليهم الوصول إلى المعلومات المهمة التي كانت ستساعدهم في تحديد مكان، وزمان، وكيفية الفرار للحصول على قدر أكبر من الأمان.
بدأ القصف والهجوم البري الحالي من قبل القوات الإسرائيلية على غزة عقب الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أدى، بحسب السلطات الإسرائيلية، إلى مقتل نحو 1,400 شخص، مئات منهم من المدنيين. احتجزت حماس و”الجهاد الإسلامي” أكثر من 230 شخصا كرهائن، بينهم أطفال، وأشخاص ذوو إعاقة، ومسنون.
يرقى قيام إسرائيل بقطع الكهرباء والمياه عن غزة، ومنع دخول الوقود والغذاء وجميع المساعدات الإنسانية، بما فيها الأدوية، باستثناء القليل منها، إلى مستوى العقاب الجماعي، وهو جريمة حرب. أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أنه منذ بدء القصف الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل ما لا يقل عن 8,500 شخص حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول، بينهم أكثر من 3,500 طفل. ويقدر “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) أن أكثر من 1.4 مليون شخص قد نزحوا.
وصف الأشخاص ذوو الإعاقة الذين قالوا إنهم نزحوا بسبب الأعمال العدائية الصعوبات التي واجهوها أثناء الفرار من الهجمات، خاصة في غياب التحذيرات المسبقة، فضلا عن الدمار الشديد الذي يتعين عليهم التنقل عبره، ومخاوفهم بشأن القتال.
سميح المصري، وهو رجل عمره 50 عاما قال إنه فقد ساقيه في غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار العام 2008، أفاد أنه يحتمي في “مستشفى القدس” في مدينة غزة، لكنه لا يشعر بالأمان في أي مكان: “إذا قصفوا المستشفى، سأموت. أعلم أنني لا أستطيع الحراك”.
قال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إنهم فقدوا الأجهزة المساعِدة عندما دمّرت الغارات الإسرائيلية منازلهم أو ألحقت بها أضرارا، ما تركهم بلا مأوى وغير قادرين على الحصول على الاحتياجات الأساسية. وقالوا جميعا إن الجيش الإسرائيلي لم يعطِ إنذارا مسبقا بشأن الهجمات. ووفقا لوزارة الإسكان الفلسطينية في غزة، فقد دُمر أو تضرر ما لا يقل عن 45% من المنازل في غزة خلال الأعمال الحربية.
يحمي القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة. تنص “اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، التي صادقت عليها إسرائيل في 2012، أن على الدول الأعضاء، وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، اتخاذ “كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح”.
ويحث قرار “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” رقم 2475 جميع أطراف النزاع المسلح على اتخاذ تدابير لحماية المدنيين ذوي الإعاقة؛ والسماح بالمساعدات الإنسانية وتسهيل وصولها بشكل آمن وفي الوقت المناسب ودون عوائق إلى جميع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة؛ ودعم تقديم مساعدة مستدامة وملائمة وشاملة في الوقت المناسب وميسّرة للمدنيين ذوي الإعاقة، من بين مسؤوليات أخرى.
بموجب القانون الإنساني الدولي، على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل إعطاء إنذار مسبق وفعال من الهجمات ما لم تحل الظروف دون ذلك. كما نوهت “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” في 2015 أن “عدم الامتثال لهذا الالتزام بشكل ميسّر ويشمل الجميع يرقى إلى مصاف التمييز على أساس الإعاقة”.
وقد وقّعت 83 دولة، بينها الولايات المتحدة، على التزام بالامتناع عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع ــ بما فيها المدفعية الثقيلة والقنابل الجوية ــ في المناطق المكتظة بالسكان بسبب مدى احتمال قتلها وإصابتها المدنيين دون تمييز. ويؤدي القصف الإسرائيلي المستمر لغزة، والذي حوّل مبانٍ وأجزاءَ كبيرة من الأحياء السكنية إلى أنقاض، إلى مضاعفة هذا الخوف.