ارتبط قدوم شهر رمضان عند المصريين بسماعهم للكثير من الأغاني الإذاعية الشهيرة التي تم تسجيلها لتلك المناسبة منذ خمسينات القرن الماضي لأشهر مطربي الزمن الجميل للفن والغناء المصري حتى أصبحت تلك الأغاني تردد ويسمعها الكبار والصغار عبر سنوات مختلفة حتى حفظتها الذاكرة وكأنها من الأغاني الشعبية التراثية عند المصريين وما لها من صفات الديمومة والاستمرارية لأنها ملك الشعب كله، ولهذا فإن شهر رمضان ارتبط بتقديم الإذاعة والتليفزيون في مصر بتقديم تلك الأغاني التي تنتشر بالمحلات والمقاهي والبيوت والسيارات طوال شهر رمضان وحتى الساعة الأخيرة من الغروب وآذان المغرب والإفطار لتدخل تلك الأغاني البهجة والفرحة والجو الرمضاني على الجميع، وكثيرا ما يعاد بثها بعد العصر وبعد صلاة العشاء بالإذاعة وبعض البرامج بالتليفزيون.
ومن تلك الأغاني الشهيرة نذكر أغنية وحوي يا وحوي للفنان الراحل احمد عبد القادر، وحوي معناها أهلا.. .واياحه هو اسم تدليل لملكة مصر قديما اياح حتب واياح معناه قمر وحتب معناه الزمان.. أي قمر الزمان.. .قتل الهكسوس زوجها عندما حاول مقاومتهم ثم قتل ابنها الأول.. إلا أن ابنها الثاني أحمس انتصر على الهكسوس وخرج الناس وهم يغنون للملكة وحوي يا وحوي اياحه.. أي أهلا أهلا بقمر الزمان.. .وربط الناس ظهور القمر بملكتهم قمر الزمان.. .وتوالت الأيام ولفرحهم ببزوغ أجمل هلال لديهم وهو هلال شهر رمضان المبارك.. .غنوا لهذا الشهر الفضيل بهذه الأغنية الحلوة وحوي يا وحوي اياحه، ومع ذلك بقي لحن وحوي يا وحوي الرمضاني مجهولا ومسيرا للتكهنات والتحليلات، ولكننا ومن زاوية لغوية أخري فإن تلك العبارات تدخل في صلب الفولكلور المصري، واختلف الباحثون في تفسير معانيها، فعالم اللغة أحمد أمين في كتابه قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية قال: إن وحوي يا وحوي، كانت أغنية منتشرة بين الصبيان، يجتمع الأطفال بعد الفطور وبأيديهم فوانيس صغيرة مضاءة بالشمع،
زجاجها ملون بألوان مختلفة، من أحمر وأخضر وأزرق وأصفر، وينشد منشدهم: وحوي ياوحوي! فيجيب الآخرون إياحه، ثم يستمر المنشد: «بنت السلطان/ لابسة قفطان/ بالأحمر/ بالأخضر/ بالأصفر»، وينشد الأطفال وراءه كلهم كلمة «إياحه»، ويؤكد «أمين» في كتابه أنه لا يدرى معناها متسائلا: هل هي كلمة مصرية قديمة أو هل مشتقة من حوي يحوي؟ أي عمل كما يعمل الحواة، بدليل قولهم: لولا فلان ما جينا، ولا تعبنا رجلينا، ولا حوينا ولا جينا، وقد كان المصريون يرددون هذه العبارة عند ميلاد الهلال كل شهر، وبعد انتشار اللغة العربية في مصر، تحورت هذه العبارة وأصبحت «وحوى يا وحوى إياحه»، وارتبطت بقدوم شهر رمضان والفانوس الصفيح، ويقال أيضا إن عبارة وحوى يا وحوى إياحه أصلها يرجع إلى اللغة القبطية، وتعنى كلمة وحوى بها معني اقتربوا، وتعنى كلمة إياحه الهلال، أي أن معنى العبارة هو اقتربوا لرؤية الهلال.
ومن الأغاني الشهيرة أيضا أغنية محمد عبد المطلب الخالدة رمضان جانا، وأغنية الفنان الكبير عبد العزيز محمود مرحب شهر الصوم، والأوبريت الشهير لمجموعة من أشهر المغنيين المصريين ” قربت الشمس تودعنا ” والدويتو الشهير للفنان فؤاد المهندس وصباح ومع الفنانة شويكار ” أنا صايم “، وأغنية محمد قنديل ” والله بعودة يا رمضان ” وأغنية محمد فوزي ” هاتوا الفوانيس يا ولاد “، وكثير من الأغاني الفردية والجماعية لأشهر المطربين والملحنين المصريين الذين غنوا واختاروا أحلى الكلمات لشهر رمضان وقدموا لنا روائع خالدة لا يمكن أن تنساها الذاكرة ولا تمحيها كل الأغاني الحديثة التي خرجت بمناسبة هذا الشهر، ويتربع على تلك الأغاني الرمضانية أغاني جميلة قدمتها فرقة الثلاثي المرح في خمسينات القرن الماضي من خلال فرقة غنائية شهيرة سميت بالثلاثي المرح عندما خرجت إلى النور وتميزت بهذا اللون الأدائي وقدمت أعمال غنائية اجتماعية خفيفة نالت إعجاب المصريين وشاركتهم بالغناء للتعبير عن كل احتفالاتهم ومناسباتهم الدينية والوطنية والاجتماعية وبخاصة في المناسبات الوطنية وفي الأفراح وأعياد الميلاد والمناسبات الدينية كالأعياد وشهر رمضان، وقد غنوا لكبار الشعراء وشاركوا في تلحين بعض المقطوعات الموسيقية والأفلام وفرقة رضا الاستعراضية، وقد بدءوا الغناء حسب موسوعة الويكيبديا بالإذاعة من خلال برنامج الهواة حتى أصبح لهم بالإذاعة مكان، وكونوا فرقة مشتركة من سناء الباروني، وصفاء يوسف لطفي، ووفاء محمد مصطفى، وكانوا يدرسون معا بمعهد الموسيقى العربية.
وقد ساندهم في مشوار نجاحهم الملحن الراحل علي إسماعيل وأطلق عليهم اسم الثلاثي المرح، ومن أغانيهم التي ارتبطت بشهر رمضان وظلت تردد إلى الآن ويحبها الصغار قبل الكبار أغنية وحوي يا وحوي ثم أغنية سبحة رمضان وهي أغنية دينية جميلة مأخوذة من فكرة السبحة وعدد حباتها الثلاثة والثلاثين منهم ثلاثين أيام رمضان ثم أيام العيد الثلاث ثم ترديد الله الله الله لنقل مشاعر القداسة والصوفية القائمة على الألحان الدينية الشعبية المحببة للناس في الموالد الدينية، وأغنية افرحوا يا بنات يلا وهيصوا وأجمل ما فيها كورال الأطفال الذين شاركوا وتم توظيفهم بشكل جميل في أداء الأغنية فنقلوا للمستمع فرحة الأطفال وسعادتهم بالأجواء الرمضانية، ثم الأغنية الأشهر “أهو جه ياولاد ” التي اعتمدوا فيها على كورال الأطفال والرجال، ثم أغنية هل هلال الصوم التي أدوها بلهجات عربية بسبب إقامة الكثير من الحفلات في البلاد العربية كالعراق وليبيا وغيرها، وبذلك فلم تنحصر مظاهر رمضان الاحتفالية في مصر بالفوانيس والزينة وصوت المدفع وإيقاعات طبلة المسحراتي ليلا بل تخطته إلى مظاهر مصاحبة أخرى لوجود بعض الأغاني الشهيرة التي شاركت تلك المظاهر جنبا إلى جنب احتفالا بتلك المناسبة التي تعطي عند سماعها للجمهور طوال الوقت في شهر رمضان نكهة خاصة وشعور روحاني جميل محبب للنفوس بشهر رمضان ومازال صداها يردد إلى الآن.