خلال أعوام قليلة مضت كان لا صوت يعلو فى الأوساط الثقافية فوق صوت تساؤل المثقفين والقراء عن مصير حقوق نشر أعمال الأديب العالمى نجيب محفوظ، هل تستمر مع الناشر الحالى، أم تذهب إلى دار جديدة، خاصة فى ظل عدم التوافق بين ورثة صاحب نوبل ودار الشروق ناشر أعمال “محفوظ” منذ مطلع الألفية الجديدة.
والعام الحالى كان مليئا بالأحداث الخاصة بالأديب العالمى وحقوق نشر أعماله، بداية من معركة قضائية بين ورثته ودار نشر الجامعة الأمريكية حول حقوق نشر إبداعاته المترجمة، مرورا بإعلان مؤسسة هنداوى فى سبتمبر الماضى تعاقدها مع أسرة الأديب العالمي نجيب محفوظ، لنشر أعماله الكاملة عبر منصاتها الإلكترونية مجانا، وستتيح المؤسسة أعماله من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة وكل ما أُنتج، العام المقبل، لتكون في يد القارئ العربي عبر الموقع الإلكتروني وتطبيق “هنداوي كتب”.
لكن السؤال الأكثر أهمية كان: من سيفوز بحقوق نشر نجيب محفوظ، خاصة مع منافسة كبيرة بين أكثر من دور نشر مصرية وعربية، وفى ديسمبر الحالى جاءت المحطة الأبرز والأهم، بإعلان دار ديوان فوزها بحقوق نشر صاحب نوبل فى الأدب عام 1988، بعقد مدته 15 عام يبدأ من مايو 2022، لنشر أعمال محفوظ بشكل حصرى ورقيا وصوتيا، وإصدار نسخ إلكترونية بجانب مؤسسة هنداوى.
إعلان فوز دار ديوان، بالحقوق الحصرية لأعمال الأديب العالمى، تابعه إثارة كبيرة للجدل، بعد إعلان الأولى أنها ستقوم بتشكيل لجنة من كبار النقاد المصريين لمراجعة أعمال محفوظ، لتصدر لأول مرة طبعة محققة ومراجعة مراجعة دقيقة.
وتشكلت اللجنة من الدكتور حسين حمودة، والدكتور محمد بدوى، والكاتب الصحفى محمد شعير، والكاتب مصطفى بيومى، والشاعر والمترجم أحمد شافعى، والروائى أحمد القرملاوى مدير النشر بدار ديوان.
وهو ما دفع عددا من المثقفين لكي يعترضوا ويعربوا عن تخوفهم من نوايا دار النشر الجديدة تجاه أعمال محفوظ، فيما نفت الدار الجديدة اتجاهها لإجراء أي تغيير في أعمال محفوظ، وإنما إعادة الروايات إلى أصلها الذي كتبه محفوظ والرجوع في ذلك إلى المخطوطات الأصلية بخط يده.
البيان الأخير والجدل الذى أثاره، جعل دار الشروق الناشر الحالى لأعمال صاحب الثلاثية، تصدر بيانا بشأن الأزمة، قالت فيه إنها تابعت بعض ما أثير خلال الأسابيع الماضية بشأن روائع الكاتب الكبير نجيب محفوظ.
ورأت الدار أنه من واجبها تقديرًا للقراء والباحثين الجادين، وخدمة لتاريخ الأدب والثقافة ورسالة النشر في عالمنا العربي، تصحيح بعض ما أثير بهذا الشأن، مع تأكيدها على قوانين وأصول وأعراف التنافس المهني.
وقالت إنها منذ أن توَّجها نجيب محفوظ بنفسه ومباشرةً دون وسيط بثقته لأن يعهد إليها بنشر طبعات كتبه عام 2005، وحدد لها بنفسه الكتب/ الأصول للعمل بمقتضاها، قد قامت بذلك بكل التزام ودقة مهنية، وبدأت في إصدار طبعاتها في حياته وكانت محلَّ رضاه وسعادته وتقديره، أما تبسيط بعض الروايات للأطفال فقد تمَّ أيضًا في حياته وتحت إشرافه وبموافقته وبمباركته منذ أكثر من أربعين عامًا.
وأكدت دار الشروق على أنه لا صحة إطلاقًا لما يشاع من صدور طبعات خاصة تلبية لمتطلبات أي بلد أو رقابة، متابعة: تابعنا النشر الورقي لكتبه بطبعات إلكترونية مخفضة السعر عن طريق عدة منصات عالمية، كما أصدرت الأعمال ككتب صوتية عبر عدة منصات للكتب الصوتية، وأضافت –لمزيد من التيسير وتحقيق الانتشار– خدمة لتوصيل الكتب لمن يريد في كل مدن وقرى ونجوع الوطن دون استثناء.
اللغط الكثير حول دور اللجنة، وإصدار دار الشروق بيانها سالف الذكر، رد عليه أعضاء لجنة المراجعة التى شكلتها دار ديوان، حيث قال الكاتب الصحفى والناقد محمد شعير، عضو اللجنة، فى البداية فإن اللجنة أو أى شخص لا يمكنهم الرقابة أو التعديل فى حرف ممن كتبه نجيب محفوظ بنفسه، لكن اللجنة مهمتها مطابقة الطبعات القديمة لمعرفة إذا ما كانت تعرضت لرقابة من الناشر أم لا، خاصة أن أعمالاً كثيرة خضعت للرقابة بعد عام 1988، لتتناسب مع بعض البلدان العربية، والأمر ذاته حدث مع أعمال الأديبين الكبريين يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس.
وأضاف محمد شعير إذا عدنا للصحف الصادرة فى أوائل التسعينيات سنجد مطالبات من العديد من المثقفين للالتزام بنص نجيب محفوظ، كما أن نجيب محفوظ نفسه أدان فى عدة حوارات صحفية له ما تعرضت له أعماله من هجمة رقابة فى تلك الفترة.
واستطرد محمد شعير، بالتالى فإن مهمة اللجنة هى إعادة نص نجيب محفوظ إلى سيرته الأولى، وليس الحذف أو التعديل أو الرقابة.
وأردف محمد شعير: “أن حرص المثقفين على السؤال حفاظا على أعمال نجيب محفوظ هو أمر طيب جدا، والأعمال سوف يتم نشرها، ويمكن بعد نشرها إذا رأى أى شخص اعتداء رقابيا من اللجنة أن يتخذ ما يراه مناسبا”.
من جانبه قال الروائى أحمد القرملاوى، مدير النشر بدار ديوان وعضو اللجنة، إن الأديب العالمى نجيب محفوظ نشر أعماله على مدى 60 عاما، وكانت هناك العديد من الطبعات لهذه الأعمال، منذ أن بدأ النشر فى المجلات والجرائد، مرورا بدور النشر المختلفة التى تعامل معاها.
وأضاف “القرملاوى” أن هناك بعض أعمال نجيب محفوظ وجدت تبينات كبيرة بين طبعتها مثل أولاد حارتنا التى نشرت فى دار الآداب البيروتية ومن بعدها فى دار الشروق وكانت الطبعتان مختلفتان، كذلك هناك أعمال أخرى ذكر العديد من النقاد وجود اختلاف بين طبعاتها مثل “الكرنك، أحلام فترة النقاهة، أصداء السيرة الذاتية، همس الجنون”، بجانب أن هناك أعمالا كتبها محفوظ فى ظروف صحية صعبة سواء بعد تعرضه لحادث الاغتيال أو فى أواخر أيامه وبالتالى كانت هناك بعض الأخطاء.
وأوضح الروائى أحمد القرملاوى، أن دار ديوان كناشر مسئول عن نشر أعمال الأديب العالمى نجيب محفوظ تجد عليها مسئولية كبيرة فى نشر أعماله، لذا شكلت لجنة من نقاد متبحرين فى أدب نجيب محفوظ، بعضهم كان من المقربين الذين يملى عليهم “محفوظ” أعماله لكتابتها، ستكون مهمة هذه اللجنة مطابقة الطبعات المختلفة سواء عن طريق بعض المسودات المتاحة لبعض الأعمال القليلة أو من خلال البحث عن النسخة الأدق التى تحدث عنها النقاد.