عرف التأهيل المهني بأنه تلك المرحلة من عملية التأهيل المتصلة والمنسقة التي تشمل توفير خدمات مهنية مثل التوجيه المهني والتدريب المهني والإستخدام الإختباري بقصد تمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة من ضمان عمل مناسب، والتأهيل عملية تتضافر فيها جهود فريق من المختصين في مجالات مختلفة لمساعدة الشخص المعاق على تحقيق أقصى ما يمكن من التوافق في الحياة من خلال تقويم طاقاته ومساعدته على تنميتها والإستفادة منها لأقصى ما يمكن. (القريوتي والبسطامي، 1995، الزعمط، 1994).
وبما أن عملية التأهيل عملية مستمرة والتأهيل المهني جزء من هذه العملية فهو يهدف إلى تحقيق الكفاية الإقتصادية عن طريق العمل والإشتغال بمهنة أو حرفة أو وظيفة والإستمرار بها، كما تشمل هذه العملية المتابعة ومساعدة ذوي الإعاقة على التكيف والإستمرار والرضا عن العمل، والإستفادة من قدراتهم الجسمية والعقلية والإجتماعية والمهنية والإفادة الإقتصادية بالقدر الذي يستطيعونه، وتحقيق ذواتهم وتقديرهم لها وإعادة ثقتهم بأنفسهم، وتحقيق التكيف المناسب والإحترام المتبادل بينهم وبين أفراد المجتمع باعتبارهم أفراداً منتجين فيه، وهو يساعد على ممارستهم لحقوقهم الشرعية خاصة في مجال الحصول على الأعمال التي تتناسب مع استعداداتهم وإمكانياتهم..
ويساهم التأهيل المهني للأشخاص من ذوي الإعاقة أيضاً في دفع عجلة التنمية الوطنية وذلك للمردود الإقتصادي للتأهيل والذي لا يقتصر على استغلال طاقات الفرد وكفايته الذاتية من الناحية الإقتصادية بل يتعداها إلى توفير الأيدي العاملة من جهة، وتوجيه الطاقات المعطلة عندهم إلى الإنتاج، وزيادة الدخل من جهة ثانية، ونتيجة لنجاح عملية التأهيل وحصول الشخص ذي الإعاقة على الشغل المناسب نلاحظ تغيراً في اتجاهات الناس ونظرتهم نحوه بحيث تتطور من النظرة السلبية وأنه عالة على المجتمع إلى النظرة الإيجابية، ولا ننسى أن نجاح عملية التأهيل بشكل عام لا يمكن تحقيقه إلا إذا أخذنا بعين الإعتبار ظروف الشخص وخصائصه وميوله وقدراته وسمات شخصيته ومستوى تكيفه ومستواه التعليمي ودرجة إعاقته، ومقدار دعم الجماعة له، واستعداد المجتمع لتوفير فرص النجاح الملائمة لعملية التأهيل بما فيها تغيير الإتجاهات وسن التشريعات التي تعطي المعوق حقوقه الإنسانية سواء في النواحي التربوية والإجتماعية وفرص العمل كغيره من المواطنين والتخطيط لبرامج التدريب المهني بحيث يتناسب ذلك مع قدرات الشخص المعاق وميوله ومتطلبات سوق العمل المحلي ومراعاة التغير الإقتصادي والظروف الإقتصادية للبيئة التي سيعيش فيها المعوق ويعمل، وأن يأخذ بعين الإعتبار ما يجري على بعض المهن والصناعات من تطور وتغير. (السرطاوي وآخرون، 1996، Donn, 1982).
أسس ومبادىء التأهيل المهني
يقوم التأهيل المعاصر للأشخاص من ذوي الإعاقة على مجموعة من الأسس والمبادىء التي ينطلق فيها العاملون لمساعدتهم على العودة إلى الحياة والإندماج فيها بأعلى درجة من التوافق، وهذه الأسس والمبادىء هي التي تحدد لنا فلسفة التأهيل وبرامجه.
الطبيعة الكلية للفرد:ويقصد بهذا المبدأ ألا ننظر إلى الفرد على أنه مكون من أجزاء بدنية وعقلية ونفسية وإجتماعية وإقتصادية، فهذه الأجزاء قد تستخدم فقط لأغراض علمية ولأغراض التدريب، إن الشخص المعاق يحيا ويعمل ويحب ويحس ويفكر كشخص كلي له وحدة واحدة. كذلك فإن النظرة الكلية للفرد تجعلنا ندرك أن عملية النمو عملية مستمرة طول الحياة وأن كل مرحلة من مراحل حياة الفرد تتأثر بما قبلها من مراحل، كما أنها ترتبط بالمراحل التالية وتؤثر فيها.
حق تقرير المصير:وهذا مبدأ من المبادىء الهامة في العمل مع البشر في كل المواقع، فلكل إنسان الحق في اختيار أمور حياته الشخصية طالما كان قادراً على تحمل مسؤولية الحكم على الأمور، ويعني هذا أن للفرد الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة به، وأن يحدد أهدافه الخاصة، وكذلك في أن يقرر كيفية تحقيق هذه الأهداف.
الحق في المساواة:إن الحق في المساواة هو الذي يؤكد مسؤولية المجتمعات في بذل كل ما يمكن نحو إعداد وتنفيذ البرامج التأهيلية المناسبة التي تساعد الأشخاص ذوي الإعاقة على دخول حياة المجتمع، والإشتراك فيها بقدر ما يستطيعون والإستفادة منها بقدر ما يحتاجون والإحساس بكرامتهم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.
المشاركة في حياة المجتمع:إحدى المبادىء الهامة التي توجه عملية التأهيل المهني للأشخاص من ذوي الإعاقة وتحدد الهدف الرئيسي منها هي أن نساعدهم على أن ينموا طاقاتهم ليشاركوا في حياة المجتمع بكل ما يستطيعون وأن يشاركهم أيضاً المجتمع حياتهم بأن يساعدهم على الإندماج فيه وإزالة العقبات من طريقهم.
التركيز على جوانب القدرة:من بين المبادىء الهامة التي يرتكز عليها مبدأ التركيز على جوانب القوة الباقية لدى الفرد بعد حدوث الإعاقة، وهذا المبدأ لا تقتصر أهميته على الجانب الفلسفي للتأهيل المهني وإنما يمتد إلى الجانب التنفيذي الإجرائي، حيث تتطلب كل المهام البدنية والأنشطة والأعمال قدرات للقيام بها، ومن ثم فإن التأهيل يستلزم تنمية القدرات والإستفادة منها في الوقت الذي لا نتجاهل فيه جوانب الإعاقة الناتجة عن القصور. ويمثل البعض هذا المبدأ بزجاجة ملئت بالماء إلى نصفها، وفي حين يراها البعض نصف فارغة فإن البعض الآخر يراها نصف مملوءة، وهو المبدأ نفسه الذي يتبعه العاملون في التأهيل المهني لذوي الإعاقة، حيث يكون تركيزهم على جوانب القوة لدى الفرد فتصبح بداية لسلوك التعامل مع الإعاقة بدلاً من الاستسلام لها.
الاهتمام بتعديل البيئة:لا يمكن أن ننكر أثر البيئة في زيادة الأثر المترتب على القصور البدني أو العقلي والذي يعرف بالإعاقة Handicap وفي السنوات الأخيرة بدأ العمل مع المعوقين يتجه في اتجاهين يتقابلان في نقطة محددة ـ فالإتجاه الأول نساعد فيه الفرد على الإستجابة لمطالب البيئة. والإتجاه الثاني نجري فيه تعديلات على البيئة بما يساعد على دخول الفرد إليها ـ ومن مثل هذا الإتجاه نشأت فروع الهندسة الحيوية Bioengineering التأهيل Rehabilitation وتضافرت جهود العلماء من فروع متعددة لمساعدة الفرد المعوق.
كرامة الإنسان:الكرامة جزء من تكوين الإنسان وشخصيته وهي كما يراها البعض في قمة تكوين الإنسان وحولها تدور حياته وعنها وبسببها تكون إنفعالاته ودفاعاته، بل وحروبه، ومبدأ كرامة الإنسان مبدأ راسخ أرساه الإسلام في نصوص الذكر الحكيم: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (سورة الإسراء ـ الآية 70) ومن هذا المبدأ ينطلق التأهيل الذي يدور أساساً حول إعادة الكرامة للفرد ذي الإعاقة ويصبح بذلك حقاً لكل إنسان ويترتب عليه أن يكون واجباً على كل من يعمل معه أن يتقبل الفرد المعوق بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو درجة الإعاقة التي وصل إليها أو سبب حدوثها، وأن يكون لديه إقتناع بأن من حق المعوق أن يصل إلى أقصى درجات من الرضا الذاتي والنفع الإجتماعي.
الإهتمام بالفردية:من المبادىء الهامة في التأهيل المهني لذوي الإعاقة أن نهتم بفردية الشخص وأن ننظر إليه باعتباره وحدة قائمة بذاتها متفردة في خصائصها، ويترتب على مبدأ الفردية أو التفريد أن يكون لكل فرد قيمة ذاتية، وأن نركز على جوانب القوة لديه ونعززها ونعمل على تنميتها، وأن يكون العمل معه على أساس خطة فردية مرنة. (مرسي، 1975، القريوتي والبسطامي، 1995، القريوتي، 1999).
خدمات التأهيل المهني
تمر خدمات التأهيل المهني للمعوقين بالخطوات التالية:
- الإحالة Referral
بعد العثور على الحالات والتعرف عليها يتم إحالتها إلى خدمات التأهيل المهني من أجل إجراء الاختبارات وتطبيق المقاييس تمهيداً لبدء برامج التدريب المهني المناسبة، وتتم عملية الإحالة من أكثر من جهة أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع منها:
الأهل: يمكن للأهل تحويل أبنائهم المعاقين البالغين سن التأهيل المهني إلى المراكز الموجودة في المنطقة التي يقطنون بها من أجل إجراء الفحوصات اللازمة لهم لبيان مدى صلاحيتهم لبرامج التأهيل المهني أو من أجل مساعدتهم في اختيار أفضل وأنسب الخدمات الممكن أن تقدم لأبنائهم.
المدرس: للمدرسين دور هام في عملية الكشف عن حالات الإعاقة عند تلاميذهم، نتيجة العلاقة المباشرة بين المدرس والطالب خاصة في المواقف التعليمية المختلفة سواء داخل الفصل الدراسي أو أثناء ممارسة النشاطات المتنوعة والتي تعمل على ملاحظة قدرات الطلبة سواء العقلية أو الحسية أو الحركية. فإذا وجد المعلم بأن تلميذاً ما لديه ضعف أو بطء أو صعوبة في اكتساب المهارات التعليمية يمكنه تحويله لذوي الإختصاص من أجل إجراء اللازم.
الطبي: يمكن للأطباء وأطباء الإختصاص القيام بالإحالة إذا وجدوا بأن حالة الفرد تستدعي وجوده في مراكز التأهيل والتدريب المهني من أجل تلقي الخدمات.
مكاتب الشؤون الاجتماعية (الخدمة الإجتماعية): كثير من حالات الإعاقة تقوم بمراجعة مكاتب الشؤون الإجتماعية والتي تقوم بدورها بإحالة الحالات إلى مراكز التأهيل والتدريب المهني بعد إجراء المقابلات اللازمة من قبل المختصين العاملين في هذه المكاتب.
اختصاصي التربية المختصة: يعتبر اختصاصي التربية المختصة من الأشخاص المؤهلين في مجال ذوي الإعاقة، يمكنه تقديم المشورة المناسبة للأهل، فيما يتعلق بالخدمات المناسبة لحالة ولدهم، فمن خلال دوره يمكنه أن يقوم بنصح الأهل بتحويل ولدهم إلى المراكز التي تقدم خدمات التأهيل والتدريب المهني.
- التسجيل Regestration
عند تحويل الشخص المعاق إلى مراكز التأهيل المهني يقوم المختصون باستقباله وتسجيله بشكل أولي، بعدها تتم مقابلته من قبل:
الإختصاصي الإجتماعي (دراسة الحالة الإجتماعية): يستقبل الإختصاصي الإجتماعي الشخص المعاق وأهله ويقوم بإجراء دراسة الحالة كجمع المعلومات المتعلقة به من ذويه، خاصة إذا حول إلى مركز التأهيل المهني ولم تجر دراسة الحالة له من قبل، بعد ذلك يقوم بتوضيح أهداف المؤسسة أو المركز للأهل وشروط القبول والتسجيل وإعطائهم فكرة عن الأقسام أو المهن الموجودة بالمركز ومدة التدريب بها.
- لجنة الفحص الطبي: يمكن أن تضم هذه اللجنة أكثر من اختصاصي وذلك تبعاً لظروف الحالة المحولة.
اختصاصي التقويم المهني: الهدف الرئيسي للتقييم المهني هو تقييم المهارات والميول وإمكانيات الفرد المعاق من أجل وضع برامج لتدريبه أو تشغيله، ويستخدم المقوّم المهني مقاييس واختبارات نفسية ومهنية، كما يمكنه الإستعانة بعينات العمل من أجل تحديد الإمكانيات المهنية عند الفرد، ومن نماذج التقييم الممكن لاختصاصي التقييم استخدامها، بطارية اختبارات الإستعدادات المختلفة أو بطاقة التقييم المهني الشاملة. (كمال، 1999، القريوتي والبسطامي، 1995).
- الإختصاصي النفسي (التقويم النفسي): هناك جانبان أساسيان في التقويم النفسي للحالات المتقدمة للإلتحاق ببرامج التأهيل المهني للمعاقين:
أولهما:تقدير الأداء الذهني ـ وذلك باستخدام أحد مقاييس الذكاء المعروفة والتي تطبق فردياً ـ وبصفة خاصة مقياس (بينيه وكسلر) للراشدين ورافن. ويجب أن يقوم بتطبيق هذه الاختبارات أخصائي نفسي (اكلينيكي) مدرب تدريباً كافياً على تطبيق هذه الإختبارات وتصحيحها والإستفادة من نتائجها في التشخيص.
ثانيهما:تقدير السلوك التكيفي ويستخدم لهذا الغرض واحد من مقاييس السلوك التكيفي المقننة وأشهرها مقياس السلوك التكيفي الذي أصدرته الجمعية الأمريكية (AAMR) وتوجد له أكثر من ترجمة عربية. ومقياس فينلاند للسلوك التكيفي الذي صدر خلفاً لمقياس فينلاند للنضج الاجتماعي.
- الإرشاد والتوجيه المهني Vocational Gaidance and Councelling
يعني الإرشاد والتوجيه المهني مساعدة الفرد المعاق على اختيار مهنة مناسبة له يعد نفسه لها ويلتحق بها ويتقدم فيها، ويبدأ التوجيه المهني منذ المقابلة الأولى وينتهي بانتهاء عملية التأهيل المهني وتختلف أشكال التوجيه والإرشاد المهني باختلاف مراحل أو خطوات التأهيل المهني.
خدمات التوجيه المهني تسعى إلى مساعدة الشخص المعاق على الإختيار السليم للمهنة أو الحرفة الملائمة له والتي تتناسب مع قدراته وطاقاته وخصائص شخصيته وطبيعة إعاقته والظروف التي تفرضها، وتقديم المعلومات المهنية اللازمة له كي تساعده على الإختيار المهني، وتقديم خبرات مهنية متنوعة له وملاحظة سلوكه إزاء كل منها من أجل تحديد رغباته وميوله، ويمكن تلخيص هذه العملية بما نسميه بالمواءمة (Matching) بين متطلبات مهنية معينة أو وظيفة، ومميزات الشخص المعاق وخصائصه وقدراته وميوله بحيث تتناسب ومتطلبات عمل معين أو حرفة ما يرغب الشخص المعاق في التدرب عليها ويجب أن نساعده لكي يتكيف ويتوافق مع مطالب التدريب المهني للعمل. (مرسي، 1983، شرف، 1983، Brian & Dania 1980).
- التدريب المهني Vocational Training
يعتبر التدريب المهني من أهم الخدمات في مجال التأهيل والذي تسعى برامجه إلى إكساب الشخص المعاق القدرة على متابعة العمل والإشتغال به. ولا شك بأن التدريب المهني يعمل على إعداد عمال معوقين كغيرهم من أفراد المجتمع قادرين على الإنتاج وتحمل ظروف العمل واعتبارهم احدى الطاقات البشرية بالمجتمع، ويعتبر التدريب المهني عصب عملية التأهيل المهني وإذا كانت عملية التدريب المهني ناجحة وفعالة فسوف تقود إلى تشغيل ناجح واستقرار نفسي واجتماعي وإقتصادي للمعوق.
- مبادىء أساسية
وهناك مجموعة من المبادىء الأساسية نادت بها منظمة العمل الدولية عند القيام بعملية التدريب المهني للمعوقين وهي:
إذا كان بالإمكان تشغيل الشخص المعاق في عمل مناسب بدون القيام بعملية التدريب المهني فإن التدريب المهني في هذه الحالة غير ضروري.
يجب أن تطبق المبادىء والأسس والمناهج العادية على الأشخاص المعوقين بقدر ما تسمح به الحالة الطبية والتعليمية للشخص المعاق.
أينما كان ذلك ممكناً يجب أن يتلقى الأشخاص المعاقون تدريبهم تحت نفس الظروف والشروط التي يتلقى تحتها غير المعاقين تدريبهم.
يجب وضع ترتيبات خاصة لأولئك الأشخاص المعاقين الذين تحد إعاقتهم من تدريبهم بالمؤسسات العامة ولافتقارهم إلى المبادىء الضرورية لاكتساب المهارات المهنية.
يجب أن يستمر التدريب حتى يكتسب الشخص المعاق القدرات المطلوبة والمهارة الضرورية ليقوم بالعمل بدقة كما يقوم به غير المعاقين.
يجب أن تؤدي برامج التدريب المهني إلى تشغيل الأشخاص المعاقين في المهن التي دربوا عليها أو في أي حرفة مشابهة وإلا فإن هذه البرامج لن تكون لها فائدة ولن تحقق أهدافها المنشودة كما يجب. I.L.O, 1988, Donn, 1982)).
- قواعد أساسية
وهناك مجموعة من القواعد يجب أخذها بعين الاعتبار، عند الشروع في عملية التدريب المهني:
ليست هناك وظيفة تتطلب كل القدرات والطاقات من الشخص سواء كان معاقاً أو غير معاق.
ليس هناك شخص يتمتع بكل القدرات والطاقات والإمكانات.
لا يوجد من يستطيع إتقان كل المهن.
كل شخص معاق بغض النظر عن نوع ودرجة إعاقته لا يزال يتمتع بقدرات وطاقات يمكن تطويرها واستغلالها.
إذا تفحصنا القواعد الأربع نلاحظ أن عملية تأهيل وتدريب الأشخاص المعاقين عملية ليست مستحيلة، خاصة إذا ما نظرنا إلى الجوانب الإيجابية ونقاط القوة المتبقية عند الشخص المعاق وعملنا على استغلالها وتنميتها وصقلها بالوسائل والطرق المناسبة.
وما نود أن نلفت النظر إليه أن سوق العمل في معظم دول العالم حتى النامية منها قد أصبحت متسعة بشكل كبير، بحيث ازدادت الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الأشخاص المعاقون. ولذلك لم يعد من الممكن في كثير من الأحوال أن يظل الإعتماد على التدريب داخل ورش مراكز التأهيل وعلى أعمال تقليدية مثل صناعة السجاد وصناعة الخزف وأشغال الجلود وأشغال التريكو، وفي ذهن المدربين الوصول بالمتدرب إلى الإلمام بكل خطوات الصناعة التي يتدرب عليها وإنما أصبح التدريب يركز على مهمة أو على عمل يتكون من عدد بسيط من المهمات ولا يحتاج التدريب على هذه المهمة أو هذا العمل لأكثر من شهور، ومن هنا ينبغي النظر إلى برنامج التدريب الموجود داخل مراكز التأهيل أو داخل مدارس التربية المختصة (مثلاً المرحلة الإعدادية المهنية) على أنها برنامج القصد منه الإعداد لدخول ميدان العمل عن طريق اكتشاف الميول والإستعدادات وصقل القدرات، وكذلك بالتعامل مع بيئة عمل تحت إشراف متخصص من فريق التأهيل والتدريب على المهارات اللازمة للتكيف المهني وهو ما يطلق عليها سلوك العمل (Work Behavior)(القريوتي والبسطامي، 1995، Donn, 1982).
صياغة الأهداف لأغراض التدريب
لتوضيح مفهوم النظام التدريبي، فسوف نتناول المنظومة التالية كمثال أي منظومة هندسية علمية صناعية يجب أن تحتوي العناصر والخطوات التالية:
خصائص الأهداف التربوية
يجب أن تشتمل الأهداف على الخصائص التالية:
- الوضوح: إذ يجب أن تعطي الأهداف صورة واضحة للفعالية التدريبية. أمثلة / شيء يقوله، شيء يكتبه، يرسمه، يشير إليه، شيء يعمله ينتجه ويكون قابلاً للتعرف عليه بالحواس.
- مراعاة المستوى التعليمي للطلبة بحيث تستجيب الأهداف مع خلفيات الطلبة.
- دقة التعبير: من أهم خصائص الأهداف التدريبية إذ يجب أن تصاغ بفعل يحمل معنى الأداء القابل للقياس (Action Verb) أي أن هذا الفعل يحدد ناتج عملية التدريب أو التعليم من الأمثلة على الأفعال المحددة القابلة للقياس (يكتب، يفك، يركب، يقرأ، يضيف، يعاير، يخلط، يبني، يرفع، يقطع، يثبت، يغذي، يطحن، يزرع، يرش، يدهن، يحل، يقارن).
فوائد واستخدامات الأهداف التدريبية
اختيار أساليب وطرق التدريب التي تتطابق مع محتوى الهدف.
توفير أسس موضوعية للقياس والتقويم.
تحديد الزمن الذي يجب أن يتم به تحقيق المستوى الأدائي خلال التدريب. (القريوتي 1999).
- الأساليب التدريبية المتبعة عند تنفيذ برامج التدريب المهني:
تقديم وصف عام للعمل من قبل المدرب ويشمل ذلك على تعريف المهنة من حيث الأدوات والمواد المستخدمة في تنفيذ العمل.
إيضاح خطوات العمل أو المهارات المهنية للمتدرب بطريقتين، الأولى: الطريقة السريعة أو بالأسلوب الإنتاجي وبالوقت اللازم لإنهاء المهمة التدريبية، والثانية: تكون بطيئة من أجل إتاحة الفرصة للمتدرب للمتابعة وملاحظة الخطوات بدقة.
يطلب من الطالب المتدرب القيام بتنفيذ المهمة أو المهارة التدريبية على أن يتم متابعة ومراقبة أدائه من قبل المدرب، من أجل تصحيح الأخطاء إن وجدت، حتى لا تتكون لديه عادات عمل خاطئة، على أن يراعي المعلم الفروق الفردية بين المتدربين.
يطلب من المتدرب إعادة المهارات التدريبية من أجل التأكد من إتقانه للمهارة ولتحديد مستوى جودة ودقة الإنتاج المهني ولتعويده على السرعة في الأداء ويرصد المدرب نتائج التدريب المهني لكل طالب على بطاقة تسمى بطاقة الخطة التدريبية الفردية.
من فوائد استخدام الخطط التدريبية الفردية
متابعة المعلم والتعرف على الطرق والأساليب المتبعة في التدريب المهني.
تزويد صاحب العمل بمعلومات مهنية من ملف الطالب المهني، تساعد في زيادة قناعته بمستوى الشخص المعاق المهني.
توجيه الشخص المعاق وإرشاده في حال تدني مستوى أدائه ويمكن تحويله إلى مهنة أخرى.
تحمل مسؤولية التدريب وتسهيل عمليات المتابعة.
تقديم معلومات واقعية للأهل عن الأداء المهني للشخص المعاق.
تساعد في تطوير وتكييف البرامج والمناهج المستخدمة في مجال التأهيل المهني.
وتختلف مدة التدريب المهني باختلاف المهنة، واختلاف درجة الإعاقة وظروف ومستوى المعوق. ومن الجدير بالذكر أن مستوى تمكن وإتقان المهارات المهنية يختلف من شخص معاق لآخر، فليس ضرورياً أن يكون كل المتدربين بنفس المستوى ونفس الأداء في القسم المهني الواحد، فنلاحظ أحياناً بأن بعض الطلبة المتدربين يتقنون الأهداف التدريبية بزمن قصير مقارنة مع أقرانهم في نفس المجال، لذا لا بد من إعطائهم مهارات متقدمة، أو يمكن للمدرب الإستعانة بهم في مساعدة أقرانهم ذوي الأداء المتدني، أو القيام بأعمال إنتاجية. (القريوتي والبسطامي 1995).
- فترة التدريب العملي (مرحلة التشغيل التجريبي):
تأتي هذه الخطوة بعد إنهاء الشخص المعاق لبرنامج التدريب المهني، بحيث يتم إلحاقه بسوق العمل لمدة أربعة شهور كفترة تدريب عملي، يتابع في هذه المدة من قبل المختصين ويبقى مرتبطاً بالمؤسسة الأم التي تدرب بها. وهذه الفترة ذات أهمية خاصة في برنامج تأهيل الشخص المعاق، لأنها تحقق المكاسب التالية:
مكاسب الشخص المعاق نفسه حيث تعطيه فرصة الإحتكاك بسوق العمل المفتوح، مما يقلل من أثر الهالة والخوف والقلق من سوق العمل ويساعد في تذليل مستوى الإحباط عنده وزيادة ثقته بنفسه وتساعده في تطبيق المهارات التي تدرب عليها بشكل فعلي وإنتاجي مما يدعم مفهوم الذات عنده ويعزز من موقفه بأنه إنسان لديه القدرات كباقي الأفراد العاملين من غير المعاقين، ونتيجة لإندماجه مع العاملين تتغير كثير من الإتجاهات نحوه سواء كانت إتجاهات العاملين أو أصحاب العمل، مما يؤدي للتفاعل والإحتكاك معه كشخص منتج منافس وليس كشخص يستدر العطف والشفقة والرأفة، هذا الأمر ينمي الإتجاه الإيجابي للشخص المعاق نحو نفسه ونحو أصحاب العمل وسوق العمل.
المؤسسات المشرفة على تدريب الأشخاص المعاقين: وجود الشخص المعاق في سوق العمل المفتوح كفترة تجريبية يساعد المسؤولين والمشرفين على برامج تدريب الأشخاص المعاقين في اكتشاف نقاط القوة والضعف عند المتدرب ويساعد في إضافة أو حذف المهارات التي لا تتماشى مع سوق العمل.
- التقييم النهائي Final Evaluation
تتم عملية التقييم النهائي للمتدربين بعد اكتمال برنامج التدريب المهني، ويقوم بعملية التقييم النهائي فريق من العاملين في المؤسسة، يضم مدير المؤسسة والمدرب والإختصاصي الإجتماعي واختصاصي التقييم واختصاصي التشغيل. وبناء على نتائج التقييم يمنح المتدرب شهادة في التأهيل المهني حسب المجال الذي تدرب عليه.
- التشغيل Placement
- يعرف التشغيل: (بأنه إيجاد فرص عمل للفرد تمكنه من الحصول على دخل منتظم لقاء ما يبذله من جهد أو ما يقدمه من خبرة في معرض إنتاج السلع أو الخدمات).
يعتبر تشغيل الأشخاص المعاقين المقياس الأهم لنجاح برامج التدريب المهني وهو الهدف النهائي لهذه البرامج، وعند الشروع بعملية التشغيل لا بد من مراعاة المبادىء التالية:
يجب أن يكون الشخص المعاق قادراً على مواجهة متطلبات الوظيفة من النواحي الجسمية.
يجب أن يكون الهدف من تشغيل الشخص المعاق هو استخدامه لما تبقى لديه من قدرة.
يجب ألا يشكل الشخص المعاق خطراً على نفسه.
يجب ألا يعرض حياة الآخرين للخطر.
يجب أن يكون تشغيل الشخص المعاق هو النتيجة المنطقية لأي برنامج للتأهيل المهني.
يجب عدم التفكير في تخصيص أعمال أو مهن تخص الأشخاص المعوقين.
يجب الإهتمام بظروف وبيئة العمل كإهتمامنا بالعمل نفسه.
يجب عدم التفريق بين الأشخاص المعوقين وغير المعاقين من العمال أثناء أداء العمل.
يجب أن يكون تشغيل الشخص المعاق في عمل ما قائماً على أساس مناسبته للعمل وليس على أساس التعاطف والرأفة والشفقة.
معرفة الخصائص الشخصية للعامل، أي التعرف على مستوى العامل من الناحية التعليمية وخبراته العملية، وكذلك لا بد من التعرف على سمات الشخصية والسلوك العام للشخص المعاق، ومظهره الخارجي، والتعرف على أي مشكلات اجتماعية يمكن أن تعرقل عملية تشغيله، ومعرفة نتائج التقييم المهني، وظروف الإعاقة وشدتها وزمن حدوثها عند الفرد، كل ذلك يساعد ويسهل من تشغيل الشخص المعاق واختيار العمل المناسب له.
معرفة خصائص العمل، هنا لا بد من التعرف على الجهد الجسماني الذي تقتضيه الوظيفة وما هي الظروف البيئية المحيطة بها.
مواءمة العامل للوظيفة، يمكن أن تنجح عملية التشغيل إذا اعترفنا أن كل شخص معاق ما هو إلا إنسان كسائر البشر يميل لأشياء وينفر من أخرى، ولديه صفات وتجارب واستعدادات شخصية وأن لديه من القدرات أكثر مما لديه من عجز، وتتمثل براعة هذه العملية في مواءمة ما يملكه الشخص المعاق من ذلك كله مع متطلبات الوظيفة المعنية، وهذا هو المنهج الإيجابي الصحيح الذي يجب أن نسلكه في عملية التأهيل المهني.
أنواع التشغيل
- التشغيل الإنتقائي: يعني إلتحاق الشخص المعاق بالأعمال الموجودة في السوق المفتوح.
- التشغيل الذاتي: وفي هذا النوع من التشغيل يقوم الشخص المعاق بالعمل لحسابه الخاص، إذا توفر له رأس مال مناسب وهناك أمثلة كثيرة في المجتمع لهذا النوع من التشغيل بخاصة الأشخاص المعوقين الذكور منهم.
- التشغيل المحمي: وهو توفير فرص العمل المحمي للأشخاص المعاقين الذين لم يكن بمقدور برامج التأهيل المهني تحقيق لياقتهم للعمل في ظروف طبيعية بسبب شدة إعاقتهم أو تعددها.
- التشغيل المنزلي: يمكن للأشخاص المعاقين الذين لا يستطيعون الإلتحاق بأنواع التشغيل سابقة الذكر لأسباب نفسية أو جسمانية أو جغرافية أو حسية سواء وجدت الأسباب منفردة أو مجتمعة عند الفرد، من ممارسة العمل المنزلي والذي ينتج عنه نشاط صناعي أو حرفي ما، ويمكن تسويقه من قبل أفراد لهم علاقة بشغل الأشخاص المعاقين أو هيئة عامة تشرف على ذلك.
- التشغيل التعاوني: يتم عن طريق الجمعيات والمجتمع المحلي أو منظمات الأشخاص المعاقين أو جمعيات الأهل بحيث يتعاون ويتشارك الأهل وبعض المختصين والأشخاص المعاقين أنفسهم بتحديد المشروع وطريقة عمل الأشخاص المعاقين فيه. (الزعمط، 1993، I.l.o 1981).
العوامل التي تحد من تشغيل الأشخاص المعاقين
يمكن إجمال العوامل التي تحد من تشغيل المعوقين بالنقاط التالية:
عوامل متعلقة بالشخص المعاق.
عوامل متعلقة بظروف ومكان التدريب.
عوامل متعلقة بالأسرة.
عوامل متعلقة بظروف ومكان العمل. (حكومة الشارقة، 1993، شرف1983 Qaryouti, etal, 2002).
كيف يمكن تسهيل عملية تشغيل الأشخاص المعاقين؟
عملية تأهيل وتشغيل الأشخاص المعاقين مهمة كأهمية الحد من الإعاقة أو منع حدوثها، لما لهذه العملية من آثار إيجابية على الشخص المعاق وأسرته والمجتمع بشكل عام، بحيث تساعد برامج التأهيل والتشغيل على إستقرار الشخص المعاق نفسياً وإجتماعيا وإستقلاله إقتصادياً بدلاً من أن يكون عالة على غيره وإنساناً مستهلكاً ومصدراً للعطف والشفقة، يصبح بعد التأهيل إنساناً منتجاً يساعد في دفع عجلة التنمية والتقدم بالمجتمع الذي يعيش فيه، بخاصة إذا عرفنا أن ما يقارب 80% من أعداد المعوقين يعيشون في الدول النامية. (القريوتي، 1999).
ولضمان حياة ومستقبل مشرق للأشخاص المعاقين يمكن للعوامل التالية تسهيل عملهم:
معرفة المهن الرائجة في سوق العمل المحلي وتدريبهم عليها.
النظر في برامج التأهيل المقدمة للأشخاص المعاقين في مراكزهم.
تطوير أقسام التأهيل المهني بما يتماشى مع سوق العمل.
تطوير وحدات الإرشاد والتوجيه والتقييم المهني بمراكز الأشخاص المعاقين.
التركيز على فترة التدريب وطرق وأساليب التدريب بما يتلاءم مع طرق وأساليب الإنتاج المتبعة بالسوق المحلي.
تغيير إتجاهات المعوق نحو العمل وتغيير نظرة الأهل وأصحاب العمل نحو عمل الشخص المعاق.
توفير عدد من المترجمين للأشخاص المعاقين سمعياً في بيئة العمل.
رفع مستوى وتأهيل العاملين في مراكز تأهيل الأشخاص المعاقين.
قيام وسائل الإعلام بدور ريادي في طرح قضية الشخص المعاق والعمل.
إجراء بعض التعديلات الضرورية في بيئة العمل، سواء المكان أم المواد والأدوات. (القريوتي 1991، القريوتي والبسطامي 1995) .(I.L.O. 94), (Donn, 1982
المتابعة Follow up
هي المرحلة الأخيرة من مراحل التأهيل المهني وتعني زيارة الشخص المعاق من حين لآخر للتأكد من استقراره وتكيفه مع جو العمل، والتأكد من قدرة الشخص المعاق على مواجهة ظروف العمل من الناحية الجسمانية، والتعرف على العوائق والمشكلات التي تحد من كفايته، والتأكد من فعالية برامج التأهيل المهني التي قدمت له ومتابعته طبياً إذا كان تحت العلاج، وإجراء الدراسات والبحوث والتعرف علي أي تطورات يمكن أن يمر بها.