لماذا تصمت نقابة الرأي الأولى على التطبيع مع إعلام العدو الإخواني
ليس من النزاهة الصحفية معارضة الحكومة بمعلومات كاذبة
الدولة لم تمس حرية صاحبة الجلالة لكن بعض أبناءها أضاعوها
على الفاتح
هل من العدل المطالبة بمعاقبة المتسبب في تفجير جرار محطة مصر بأشد العقوبات،بينما نتجاهل أو نسوق الحجج للتخفيف من حجم الدمار الذي أصاب إعلام مصر بسبب نشر خبر تعيين وزير ميت؟!.
الكارثة التي صنعها الإعلام المصري لا تقل برأيي في تأثيرها المدمر عن اصطدام الجرار بالرصيف جراء إهمال عمال وموظفي المحطة،فقد أتت على ما تبقى من مصداقية هذا الإعلام باختلاف أنماط ملكيته سواء كان قوميا أو خاصا أو حزبيا،ومع ذلك لم نجد ردود أفعال صحفية بحجم الحدث.
محاولات الاعتذار للقارئ جاءت مصحوبة بالحجج والعلل التي تبرر ذلك السقوط الكبير،وكلها من عينة،ضعف برامج التدريب،الضغوط الاقتصادية على الصحفي التي تجبره على العمل في أكثر من جهة،تضييق الدولة لمساحة الحرية أمام الصحفيين.
ورغم تناثر أشلاء مصداقية الإعلام المصري في أركان وجنابات شارع الصحافة،لم نجد انعكاسا يذكر لتلك الواقعة في أحاديث وتصريحات أغلب المرشحين في انتخابات الصحفيين سواءا للعضوية أو مقعد النقيب،وكأن الحدث عادي لم تختلط فيه دماء شهداء محطة مصر مع دماء شرف ومصداقية إعلام مصر.
أكثر ما يبعث على التشاؤم غياب الحديث حول قانون جديد لنقابة الصحفيين عن برامج أغلب المرشحين باستثناء مرشح واحد على العضوية،رغم علم الجميع حاجة النقابة لقانون معاصر يعزز قدرتها على فرض قواعد واخلاقيات المهنة من خلال آليات رقابية صارمة وبرامج تأهيل وتدريب جادة.
بمعنى أو أخر الحدث عادي وروتيني فعليا بالنسبة لأغلب العاملين في الوسط الصحفي والإعلامي فهو يتكرر عشرات المرات في اليوم الواحد منذ عدة سنوات،بسبب اعتماد غالبية المحررين على مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر رئيسية وربما وحيدة للأخبار التي ينشرونها تحت سمع وبصر رؤساء الأقسام ومديري ورؤساء التحرير.
هذه الفاجعة تكشف حجم الانهيار الاخلاقي والقيمي في الوسط الصحفي والإعلامي،شأنه في ذلك شأن باقي أجهزة ومؤسسات الدولة وشرائح وفئات المجتمع.
غير أن الأمر يتفاقم في تداعياته وتأثيراته السلبية عندما يتعلق بصناع الرأي العام،فإذا فسدت أخلاق وقيم من يأتون للمجتمع بالنبأ الذي يؤثر في اتجاهاته ووعيه نصبح أمام كوارث تتساوى في فداحتها مع فداحة سقوط عشرات الشهداء وتتجاوز في خسائرها ضياع المليارات من المال العام والخاص.
كيف أطلب من محرر شاب تعلم أصول المهنة وأخلاقياتها وهو يرى أساتذته ورؤساءه يشجعونه على ملاحقة ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار وصور؟!،كيف أطلب من الشاب التزام القيم المهنية وهو يكلف بتغطية وزارة أو هيئة ما وفي نفس الوقت يطلب منه الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر طوال النهار والاكتفاء بما يقدمه من أخبار تأتيه عبر البريد الالكتروني أو الواتس اب عن الوزارة التي يقوم بتغطيتها وعدم ترك فرصة له للتواجد داخل أروقتها لصناعة مصادر جديدة والحصول على اخبار ومعلومات غير التي يرسلها المتحدث الاعلامي؟!.
كيف أطلب من هذا الشاب الالتزام بأي معايير اخلاقية مهنية وهو يرى رئيسه يتحدث عن الدولة وأداء الحكومة بطريقة عندما يخرج على شاشات الفضائيات المصرية،وسرعان ما يغير هذه الطريقة عندما يكتب لموقع أو جريدة ناطقة بالعربية وتصدر من أحد العواصم الأوروبية ويبدو أمامه متلونا طوال الوقت تربطه شبكة مصالح مع أطراف متناقضة في الداخل والخارج؟!.
كيف أطلب من هذا الشاب الإخلاص في عمله وهو يرى كتاب وأقران له يعملون في مواقع وقنوات الإرهاب دون أن يلاحقهم أحد بتهمة التطبيع مع العدو الإخواني؟!
كيف اطلب منه الالتزام بأي معايير بينما رؤساءة المتشدقين بشعارات العدالة الاجتماعية يتجاهلون عن عمد معيار الكفاءة المهنية في تعيين الصحفيين لصالح معايير المحسوبية وشللية التيار السياسي،ليصبح المحاسب مثلا والمتظاهر المحترف بقدرة قادر عضوا بنقابة الصحفيين؟!.
وحتى أكون منصفا هذه الحالة من الإنهيار الأخلاقي ليست وليدة السنوات الأخيرة،فقد كان أول بوادرها مع ظهور وترسخ ما تعرف بصحافة الرأي في بعض الصحف الحزبية مطلع الألفية الثالثة والتي بدلا من أن تستعين بالمعلومة الصادقة لمعارضة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ذهبت إلى الرأي غير المدعوم بأي معلومات أو وثائق وحولته إلى عناوين ومانشيتات تبدو معلوماتيه ومن هنا نشأت مدرسة الخلط بين الرأي والمعلومة في الإعلام المصري.
الفضيحة الحقيقية التي كشفت عنها واقعة الوزير الميت هي إدراك بعض الصحفيين والإعلاميين لها من زاوية تورطهم في نشر خبر عن تعيين ميت في منصب وزير بسبب عدم التحقق من صدق أو كذب صاحب التغريدة فيما لم يدرك هؤلاء كوارث مهنية أخرى ارتكبوها بأيديهم منها على سبيل المثال إعادة نشر تقارير صحف اجنبية تتهم الدولة المصرية بارتكاب جريمة قتل الباحث جوليو ريجيني دون التساؤل عن طبيعة مصادر تلك الصحف،والتي اتضح فيما بعد أنها رسائل بريدية مجهولة المصدر.
بل أن كبار الصحفيين والإعلاميين استضافوا نشطاء وخبراء أمنيين ليس لمناقشة التداعيات السياسية للجريمة وإنما ليقول كل منهم من القاتل والبرئ حسب اعتقاده وكأن المسألة تخضع لوجهات النظر،ناهيك عن مئات العناوين والمانشتات المضللة بشأن حقيقة الأوضاع الداخلية في مصر.
نحن إيذاء فضيحة أخلاقية وقيمية في المقام الأول نتجت عن جريمة اهمال وتقاعس ارتكبتها عينة ممثلة للجماعة الصحفية بدءا من محرري ومعدي الأخبار وصولا الى مديري ورؤساء التحرير،وكان ينبغي محاسبتهم بأشد العقوبات كتجميد عضوية النقابة والحرمان من ممارسة المهنة لمدة عام ليكونوا عبرة لنا جميعا،ولا مجال لترديد حجج من قبيل ضيق مساحات الحرية لأنه ليس من جهة في العالم ستعطيك بيانا صحفيا رسميا يفيد بحجم جرائم الفساد المرتكبة داخلها وهذا النوع من المعلومات يحتاج في امريكا كما في انجلترا وسويسرا وفرنسا ومصر جهدا خاصا من الصحفي للكشف عنها،لهذا سميت بمهنة المتاعب.
ليس من النزاهة الصحفية تأسيس موقفك المعارض لسياسات الدولة ومشاريعها على معلومات خاطئة مثل القول بأن الدولة تنفق على العاصمة الادارية من الميزانية العامة،وعندما تنزعج الدولة وتصحح المعلومة نتهمها بتشويه الصحافة وتضييق مساحة الحرية.
لنجرب ولو لمرة واحدة أن ننشر جميع الحقائق والمعلومات الصحيحة بشأن أي مشروع ثم نعارضه من أي زاوية ولنرى هل ستغضب الدولة وتضيق الخناق على الصحفي والصحيفة؟!