أبرزت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لبكين لحضور قمة منتدى التعاون الصينى الإفريقى (فوكاك) المقرر عقدها يومى 3 و4 سبتمبر والتى ستشهد الارتقاء بشراكة التعاون الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإفريقيا إلى مستوى جديد وتزيح الستار عن إجراءات جديدة لتعزيز التعاون بين الجانبين على نحو شامل.
ووصفت الوكالة –فى تقرير بثته تزامنا مع وصول الرئيس السيسى إلى بكين لحضور قمة (فوكاك) وعقد مباحثات مع كبار المسؤولين الصينيين وعلى رأسهم الرئيس “شى جين بينج”- زيارة الرئيس السيسى للصين بالتاريخية. مضيفة أن مشاركة الرئيس فى القمة تكتسب أهمية كبيرة فى ضوء ما تتمتع به مصر من دور ريادى وثقل سياسى وحضارى فى قارة إفريقيا وسعيها إلى توسيع وتنويع مختلف أطر التعاون مع الصين وما يحمله التعاون الصينى الإفريقى من سمات تتضمن التأكيد على المنفعة المشتركة والتركيز على تقوية قدرة القارة على التنمية المستقلة.
وأكد عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصينى “وانغ يي” -قبيل زيارة الرئيس السيسى- على المكانة الكبيرة التى تحظى بها مصر لدى الصين وتطلع بلاده إلى مشاركة السيسى فى هذا المنتدى المهم.
وقالت (شينخوا) إن عمق العلاقات الصينية – المصرية ليس وليد اللحظة، وإنما هو نتاج تفاعلات تاريخية بدأت من تلاقى اثنتين من أقدم الحضارات فى العالم، وهو ما أسس منذ قرون طويلة لعلاقات متميزة على صعيد التجارة والثقافة والفن بين البلدين.والمتتبع لمسيرة العلاقات وصولا إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1956 والتى صارت معها مصر أول بلد عربى وإفريقى يقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وما شهدته هذه العلاقات من تطور مستمر طوال السنين الماضية يجد أن الزيارات الرسمية واللقاءات المتعددة بين قيادتى البلدين فى السنوات الأخيرة ساهمت فى تعزيز مستوى التعاون والتنسيق الثنائى.
ويؤكد المبعوث الصينى الخاص السابق للشرق الأوسط “وو سى كه” أن “طفرة كبيرة شهدتها العلاقات الصينية – المصرية مع تكرار تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث قام الرئيس السيسى بزيارته الأولى للصين فى ديسمبر 2014 وتخللها التوقيع على وثيقة الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية شاملة، وفى مطلع عام 2016 قام الرئيس الصينى شى جين بينغ بزيارة مهمة لمصر وقع خلالها البلدان البرنامج التنفيذى لتعزيز العلاقات الثنائية للفترة من 2016 إلى 2021 والذى يجرى تنفيذه بسلاسة”.
ويشير “داى شياو تشي” الباحث فى مركز الدراسات العربية بجامعة الدراسات الدولية ببكين إلى أن زيارة الرئيس السيسى هذه المرة تؤكد متانة العلاقات بين الصين ومصر وستعطى دفعة جديدة للتعاون بين البلدين، وهو يمضى بخطى ثابتة ويحقق إنجازات مثمرة فى ظل مبادرة الحزام والطريق.
وأشارت (شينخوا) إلى أن مصر تتميز بموقع استراتيجى يربط بين قارتى أفريقيا وآسيا ما يجعلها البوابة الآسيوية لإفريقيا، وأيضا أحد البوابات الإفريقية لأوروبا عبر البحر المتوسط، وهو ما يؤهلها لتكون نقطة محورية فى مبادرة الحزام والطريق التى يقول الخبراء الصينيون إن مصر لاعب رئيس فيها وضمن النقاط المضيئة فى مشروعات التنمية المستدامة الخاصة بها.
وأبرزت الوكالة التعاون البارز بين مصر والصين، حيث أكدت أن الدولتين تتمتعان بتبادلات وثيقة رفيعة المستوى وتعاون براجماتى مثمر فى شتى المجالات، فالصين شريك تجارى مهم لمصر حيث بلغ الحجم الإجمالى للتبادل التجارى بين الجانبين 10,8 مليار دولار فى عام 2017، ومن المتوقع أن يرتفع مستقبلا وخاصة أن حجم الصادرات المصرية السلعية للسوق الصينية ارتفع بنسبة 60% خلال عام 2017 ليسجل 408 ملايين دولار مقابل نحو 255 مليون دولار خلال عام 2016.
كما من المتوقع أن يطرح التعاون الاقتصادى باعتباره مقوما مهما للتفاعل بين البلدين مزيدا من الثمار مستقبلا تعود بالفائدة على الجانبين وعلى القارة الإفريقية مع بلوغ إجمالى حجم الاستثمارات الصينية فى مصر أكثر من 5 مليارات دولار فى نهاية 2017، لتحتل الصين بذلك المرتبة الثالثة ضمن الدول الأكثر استثمارا بمصر. وفى الوقت ذاته، تقوم شركات صينية عدة بأنشطة أعمال ناجحة فى مصر وتساعد فى التصنيع ونقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للمجتمعات المحلية وتحقيق التنمية المشتركة، ما يعد دليلا على حرص البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة.
وقالت الوكالة الصينية إن تطور العلاقات الصينية المصرية انعكس كذلك فى المشروعات القومية التنموية التى تنفذها مصر، ومنها تنمية منطقة قناة السويس التى توفر فرصا كبيرة أمام الشركات الصينية للاستفادة من الموقع الاستراتيجى لمصر كمحور للإنتاج والتصدير إلى دول العالم وخاصة الإفريقية منها ولا سيما أن مصر تتمتع بمزايا نسبية فى إطار الاتفاقيات التجارية الموقعة بينها وبين السوق الإفريقية وتفاعلها بشكل وثيق مع التجمعات الإفريقية الثلاثة “الكوميسا” و”السادك” و”شرق إفريقيا”.
وأكدت (شينخوا) أن ثمة توافق فى الرؤى تجاه أفريقيا بين الصين ومصر، فقد قال الرئيس الصينى “شى جين بينج” خلال رابع زيارة له لقارة إفريقيا فى يوليو الماضى “فى كل مرة أزور فيها أفريقيا أرى حيوية القارة وطموح شعوبها من أجل التنمية”، مؤكدا أن الجانبين الصينى والإفريقى شريكان مخلصان على طريقهما للتنمية وأن التنمية فى الصين ستحقق المزيد من الفرص لإفريقيا، فيما يضع الرئيس السيسى إفريقيا ضمن أولوياته فى السعى لتحقيق التنمية المستدامة لدولها من خلال تعميق العلاقات المشتركة والعمل على إقامة المشروعات.
ومع نمو قوتها الاقتصادية وبروزها على الصعيد العالمى، تلعب الصين دورا أكثر حيوية فى التنمية بالقارة الإفريقية وبدأت بلدان القارة تتجه إلى تعزيز علاقاتها مع الصين فى شتى القطاعات وأخذت الاستثمارات الضخمة، التى تساهم بها الصين فى إفريقيا، تشكل مفتاحا مهما لمعالجة النقص فى البنية التحتية بالقارة، وتؤكد على صحة الحكمة الصينية القائلة بأنه “مثلما تختبر المسافة قوة الخيل، يكشف الزمن عن إخلاص المرء” وخاصة أن البنية التحتية تمثل السبيل الأساسى لتحقيق التنمية طويلة الأمد.
وأشارت الوكالة إلى أنه من خلال الجمع بين مبادرة الحزام والطريق – التى تعد مسارا للتنمية المشتركة عبر تحسين البنى التحتية وربط الاستراتيجيات التنموية – وبين أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 وأجندة الاتحاد الأفريقى 2063 وخطط التنمية الوطنية للدول الإفريقية، ستخلق قمة منتدى التعاون الصين-أفريقيا أرضيات جديدة للتعاون فى هذا الإطار الذى من المتوقع أن يدفعه أيضا تولى مصر للرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقى عام 2019 فى ضوء علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
ومع انعقاد قمة بكين 2018 لمنتدى “فوكاك” تحت عنوان “الصين وأفريقيا: نحو مجتمع أقوى ذى مصير مشترك عن طريق التعاون المربح للجانبين”، تبدو أن هناك أحلاما متشابهة ومصيرا مشتركا يجمعان بين الصين وإفريقيا وتكمن المهمة الآن فى تحقيق التلاحم من أجل التعاون متبادل المنفعة لجنى مزيد من الثمار.